إن الحديث عن خصوصية الحالة التي يعيشها الموهوب أو المبدع أمر تناوله السواد الأعظم من كتب علم النفس والفئات الخاصة، ومتطلبات العناية به وأن يولى اهتماماً خاصاً بات متفقاً عليه لما يعانيه أغلب الموهوبين من صعوبات التكيف مع بعض جوانب الحياة أو ضغطها والحاجة إلى مزيد من الهدوء والخصوصية والمعاملة الخاصة وتوفير بيئة مغايرة عن تلك التي يعيشها الأفراد العاديون، ورغم تنبه بعض وزارات التربية والتعليم في الدول الخليجية إلى تلك الفئة واحتياجاتها، إلاَّ أن أغلب ما سعت لتقديمه من أجلها بضعة برامج تدريبية وورش عمل في مجال موهبة كل منها، متغاضية عن الاحتياجات النفسية والاجتماعية وربما التي تتعدى إلى احتياجات اقتصادية لتوفير متطلبات محددة في بعض الأحيان. حتى إن وزارات التربية والتعليم لم تخصص صفوفاً لأولئك الموهوبين أو تضع لهم جدولاً دراسياً مختلفاً عن بقية أقرانهم، ولم تمنحهم مزيداً من الوقت لممارسة أنشطتهم الإبداعية بإشراف خاص وتفريغ نسبي يراعي المزاج العام الذي يشكل ضغطاً نفسياً كبيراً على هؤلاء الموهوبين. وزارت التربية والتعليم الخليجية ورغم احتوائها للمواهب تلك، إلاَّ أنها لم تهيئ ما يكفي من أجواء لازمة لممارسة العمليات الإبداعية ولو من خلال قسم خاص ببيئة خارجة عن الجمود العام في المدارس وتصميمها، أو أن أجواء المشاركة العامة لكل المرافق كالمكتبات وصفوف الموسيقى والحاسوب وما إلى ذلك. ولكننا مازلنا نتحدث عن العناية بالحد الأدنى بالموهوب الذي ينفصل كلياً عن كافة أشكال الاهتمام فور تخرجه من المدرسة وانخراطه في الجامعة أو سوق العمل، ليغدو بمنظور المجتمع مثله مثل الآخرين تماماً خارج نطاق الاهتمام والتقدير والخصوصية في التعامل وتهيئة الجو المناسب لمزاجه العام واحتياجات موهبته. الأمر الذي بات يفرض الاهتمام بتلك الفئة من خلال قوانين رسمية تضعها الدول الخليجية وتقرها السلطة التشريعية لدعم وتشجيع الموهوبين والمتميزين من قبل الدولة بالوقت والمال والتقدير المعنوي، الأمر الذي ينعكس أيضاً على المناخ الصارم في الوظائف الحكومية بما يقتل الإبداع من حيث ضغط الوقت وطبيعة العلاقات الإدارية، فضلاً عن مواقف بعض المسؤولين من المبدعين والتي يغلب عليها قتل الموهبة بـ»تكسير المجاديف» وتحبيط الهمم، وقد صادفت منهم كثيراً.

من المهم أن تتبنى الدولة فئة الموهوبين في كافة المجالات بحيث توفر لهم وقتاً مخصصاً من عملهم لممارسة الإبداع، أو مكاتب خاصة يتم تصميمها بعناية بما يتناسب مع احتياجاتهم الإبداعية، وأن يتم معاملتهم من قبل مسؤوليهم معاملة خاصة، ليس من أجلهم فقط، وإنما من أجل الحفاظ على الإنجاز الحضاري الذي يمكن للبلد تحقيقه من خلال هؤلاء، والذي يمكن لهؤلاء تمثيل بلدانهم بأعلى مستوى من الكفاءة إذا ما تحققت لهم الفرصة لمزيد من العطاء المبدع.

* اختلاج النبض:

إنها رسالة إلى أعضاء مجلس النواب البحريني، لسن تشريع خاص بالموهوبين ونقل التجربة إلى الدول الخليجية، بما يكفل توفير المناخ المناسب لعطاء المبدعين واحتياجاتهم، وتحديد معيار دقيق لمفهوم الموهبة دون حصرها في عمر محدد، فدقة المعيار ستجنب استغلال القانون أو إقصاء بعض المستحقين منه.