التصريح المنسوب لمولوي عبد الحميد، إمام جمعة أهل السنة في زاهدان، في خطبة الجمعة قبل الماضية والذي تناوله "راديو فردا" و"وكالة الأناضول" ونشر مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية تقريرا عنه، مهم ويحتاج إلى وقفة. ملخص التصريح أن "جميع مشكلات الشعب وضغوطه ليست اقتصادية بقدر ما هي أيضاً سياسية واجتماعية"، وملخص مطالبته أن "ينال الشعب حريته الكاملة في إطار الدستور الذي يحتاج في بعض موادِّه إلى تعديل"، أنه "سيتحقق الأمن الدائم فقط إذا رفع التمييز بشكل سريع وطبقت العدالة ومفاهيمها".

حسب الإذاعة والوكالة المذكورتين والتقرير فإن مولوي عبد الحميد أكَّد خلال خطبته أن "البطالة والأحوال المعيشية ليس سوى إحدى المشكلات الأخرى التي على المسؤولين التفكير في حلها، فهناك الحريات الدينية المسلوبة والقضاء على التمييز المذهبي والديني، ومطالب أخرى"، وحسبها أيضاً فإن عبد الحميد كان قد أرسل قبل فترة رسالة إلى المرشد علي خامنئي طالبه فيها "برفع التمييز عن أهل السـنة دستورياً"... لأن المادة 115 تخصص المناصب العليا بالنظام للمذهب الاثنا عشري، وأن رد المرشد كان "على المسؤولين العمل وفق الدستور والتعاليم الدينية لرفع هذا التمييز". التقرير أشار أيضاً إلى أنه "في حين أن "التعاليم الدينية" التي اعتبر المرشد في رده أن المسؤولين مكلفون برفع التمييز في إطارها، هي الحوزة فقط، التي يتولى مراجع الشيعة مسؤولية استخراج التعاليم منها".

التقرير تطرق إلى تصريحات سابقة لإمام جمعة أهل السنة في زاهدان، منها قوله إن "مجتمع أهل السنة في إيران يطالبون بالقضاء على التمييز الذي يتعرضون له منذ 40 عاماً"، واستنكاره "عدم الالتفات والتجاهلَ الكامل لرسائله المتكررة، واستمرار ممارسة الضغوط على أهل السنة ليغلقوا مساجده".

ولأن تصريحات كهذه تتضمن اتهامات كهذه تحتاج إلى تأكيد لذا اهتم التقرير بالإشارة إلى أن ما ذكره مولوي عبد الحميد يأتي متزامنًا مع تقرير "هيومن رايتس ووتش" السنوي الذي أشار إلى أن "الحكومة الإيرانية خلال 2017 ارتكبت إجراءات مأساوية، مثل القمع وانتهاك حرية التعبير، وإجراء محاكمات غير عادلة، وتقييد الحرية الدينية والمذهبية"، وأنه وفقاً للتقرير نفسه فإن "قوات الأمن والجهاز القضائي ومجلس صيانة الدستور ينتهكون حقوق الإنسان في إيران دون محاسبة من صانعي القرار، كما إن نشطاء وحقوقيين وأبرياء ملقون خلف القضبان بتهم ملفقة".

هذا التناقض الذي يعيشه النظام الإيراني يؤكد شوفينيته وانحيازه إلى ما يريد الانحياز إليه وإلغاء الآخر، فالآخر وإن كان إيرانياً، بل وإن كان فارسياً أصيلاً وليس من العرب أو الأكراد أو الآذريين أو البلوش أوغيرهم فإنه خارج القائمة التي ميزها الدستور واعتبرها كل شيء، واعتبر كل شيء عداها في الدرجة الثانية وما بعدها. وهذا يؤكد أيضاً أن المظاهرات الأخيرة والتي جاءت على شكل انتفاضة ستتلوها انتفاضات غايتها إسقاط النظام لم تكن أسبابها اقتصادية فقط، وليست ذات علاقة بالأحوال المادية السيئة التي صار فيها أغلب الإيرانيين فقط، ولكنها أيضاً ذات علاقة بالتضييق على الحريات وبالتمييز بين الإيرانيين بعضهم البعض وبينهم وبين الواصلين إلى مرحلة الرضى لدى المرشد العام، وإذا كان الدستور يميز بين المواطنين، وإذا كان المحتجون على ذلك لا يستطيعون – حسب المرشد العام – إحداث تغيير في الدستور إلا بموافقة الحوازات المسيطر عليها من قبل المرشد والمحسوبين عليه، فإن هذا يعني أن أمل إحداث التغيير السلمي وعبر الطرق "الديمقراطية" أمر مستحيل لأن القاضي هو نفسه الخصم والمستفيد من التمييز، ولهذا فإن من يعتقد أن من انتفضوا في نهاية عام 2017 ودخلوا العام الجديد وهم منتفضون لن يواصلوا انتفاضتهم مخطئ.