البحث عن الجهة المسؤولة عن العمالة السائبة هو كالبحث عن أب لابن لقيط.

قدرت هيئة تنظيم سوق العمل عددها بستين ألف أجنبي سائب، 60.000 أجنبي عل وعسى نستوعب من تكرار الرقم لو أن كل واحد منهم حول لأهله 50 ديناراً شهرياً فيخرج من البلد 3 ملايين دينار شهرياً أي 36 مليون دينار سنوياً، أي ما يقارب قيمة دعم اللحوم.

هؤلاء يشاركوننا جميع السلع المدعومة ويشاركوننا استهلاك المياه والكهرباء والجازولين والغاز، إنما جلبهم ليس هو المشكلة، المشكلة أصبحت في استخدامهم

متفقون جميعاً كبحرينيين إذاً على ضررها، تستهلك مواردنا، تحول أموالنا للخارج، مشاكل أمنية ونظافة عامة، يأخذون وظائفنا، ومتفقون على أن هناك جهات تستوردها وتلقيها في السوق ومتفقون على أنهم كعمال السخرة العامل منهم يعطي الكفيل نصف ما «يكده» ويرسل البقية إلى أهله.

المشكلة أننا جميعاً متفقون على ضررها ولكننا جميعاً نستخدمها ولا نريد رحيلها؟

الجدية تنتفي من بحث مشكلتها وذلك لأننا لم نحدد موقفنا منها بجدية؟ نريدها ولا نريدها تلك هي الحكاية ذلك هو السؤال، ولو قدر لأحدهم أن يصعد على منبر في البحرين لسألنا هذا السؤال: أنت نفر بهريني يبي أنا لو ما يبي أنا؟

نحن من ننعش تجارتها، بدءاً من البيوت كزارع وسائق وغاسل للسيارات وتركيب ألمنيوم و«بايب فيتر» وكهربائي وبناء وصباغ ووووو، مروراً بالمحلات التجارية باعة وفي المطاعم والكراجات والمؤسسات الكل يبحث عن «الرخص» وأجورهم و«كروتهم» أرخص، نحن نعلم أن اختفاء هؤلاء سيرفع سعر الخدمات لذلك نستخدمهم ولا نبلغ عنهم، لأننا لم نتكيف بعد مع ثقافة الخدمة الجيدة وإن كانت أعلى سعراً إلا أنها تدوم أفضل من الخدمة السيئة التي لا تدوم، تماماً مع عدم تكيفنا بعد مع ثقافة الاستهلاك التي تؤكد أن العديد من السلع الرخيصة تكلفنا أكثر من السلع الغالية لأننا نضطر أن نجدد الرخيصة أكثر من مرة لسرعة تلفها!!خاصة في الأدوات الكهربائية وغيرها.

فكيف سينتهون وكيف سيختفون ونحن من نرغب بهم؟ فلنكف إذا عن الازدواجية ونستقر على رأي ولتتم مناقشة المشكلة بشفافية وصدق مع الذات، نريدهم أم لا نريدهم؟ إن أبقيناهم فلا تلام هيئة تنظيم سوق العمل إن قننت وجودهم فنحن السبب، وإن قررنا الاستغناء عنهم نظراً للضرر العامل وعلى المدى الطويل، فعلينا الكف عن استخدامهم والتبليغ عنهم.

لجنة التحقيق البرلمانية أكدت أن عدد المفتشين على هذه العمالة 64 مفتشاً فقط لمراقبة نصف مليون عامل أجنبي والبحث عن هؤلاء الستين ألف من بينهم شبه مستحيل رغم أن المفتشين قاموا بـ35 ألف زيارة تفتيشية، وطالبت اللجنة بزيادة عدد المفتشين، ما الفائدة؟ إذا كنا نحن من نستخدمهم فإننا نساهم في إبقائهم، بل لا أكاد أجزم أنه من المستحيل أن أعضاء لجنة التحقيق البرلمانية لم يصادفوا ولم يستخدموا يوماً ما عامل فري فيزا ولم يبلغوا عنه، هم مثلنا بالتأكيد مر عليهم بناء أو صباغ أو خياط أو حلاق علم أنه فري فيزا، وتعامل معه ودفع له أجرته!! ومع ذلك يحقق في المشكلة؟ هم مثلنا لم يحددوا موقفهم بعد، إن لم نقرر نحن الاستغناء عنهم فمئات المفتشين لن يجدوا نفعاً، وعشرات لجان التحقيق لن تغير من الأمر شيئاً.