سماح علام

من العمل المحلي إلى العالمي.. ومن الأنشطة الاعتيادية إلى الرحلات الإغاثية.. تخطو فاطمة المنصوري بخطى واثقة في عملها الإنساني الخيري، فرحلتها الإغاثية الأخيرة للروهينغا في الهند، كانت إعلاناً صريحاً عن بدء مرحلة جديدة في عملها التطوعي.



لم يكن عملاً خيرياً أو نشاطاً توعوياً عادياً، بل رحلة إغاثية إلى منطقة من أكثر المناطق سخونة في العالم، حيث القضية الإنسانية الإسلامية التي تنم عن مأساة لم تأخذ حيزها الذي تستحقه من الضوء.. فاطمة المنصوري أعلنت هذه الرحلة بعد إحساسها بألم فقد والدتها رحمها الله، فقد حولت ألم فقد الأم إلى مشروع إنساني يتخطى حدود المملكة، لتجسد قيمة التعبير عن الحزن بشكل مغاير عن الصورة النمطية المتعارف عليها.

في هذه المساحة تسلط الوطن الضوء على إنسانة مختلفة، تفردت في عطائها، وتعاملت مع مشاعر الحزن بشكل جديد.. ولم تكتفِ بذلك بل تعلن مواصلة رسالتها الإنسانية الخيرية في هذه الحياة.

* رحلاتك كثيرة بين التدريب والأعمال الخيرية.. ولكن ما المميز في هذه الرحلة بالذات؟

- هذه الرحلة هي انطلاقتي في العمل الإنساني مع اللاجئين وهي نقطة تحول حقيقية في حياتي.

* تأتي هذه الرحلة بعد وفاة الوالدة رحمها الله وبعد التبرع بشعرك.. ترى.. هل تغيرت فاطمة.. وهل ثمة ولادة جديدة في قناعاتك.. نضج أكثر.. أم عطاء أكبر... أم ماذا؟

- بعد وفاة الوالدة رحمها الله قررت أن أصب تركيزي على العمل الانساني والتطوعي في ثوابها واكتساب الأجر لها. لا يهمني المدخول المادي فكان بالنسبة لي مجرد أداة لأفرح الوالدة التي كانت ترتاح عندما تعلم أن أموري المادية مستقرة على الرغم من أنني لا أشغل وظيفة ثابته تدر علي راتباً ثابتاً. وبعد وفاتها رحمها الله لم يعد يعني لي المدخول المادي شيئاً أبداً.. أيامنا في هذه الحياة معدودة وأنا أجد نفسي في العمل الإنساني التطوعي وأجد راحتي في العطاء وهذا أكبر مكسب.. لقد كانت الوالدة تفرح بالأعمال التطوعية التي كنت أقدمها ودائماً ما كانت تشجعني على الاستمرار والعطاء.

اليوغا العلاجية أسلوب حياة

* ما هي حكاية فاطمة المنصوري الخاصة مع اليوغا العلاجية؟

- قصتي مع التطوع هي أن العمل التطوعي شيء لم أخطط له ولم أسعَ له بل كان تكليف من الله تعالى فمنذ رجوعي من الهند بعد إنهاء الدراسة وتجربتي مع اليوغا العلاجية في التغلب على المشكلة الصحية التي كنت أعاني منها (الإرهاق المزمن والفايبروميالجيا) بدأت الاتصالات تتدفق من الجمعيات والشركات والوزارات والصحف والتلفزيون لطلب المعلومات والمقالات والمحاضرات والبرامج التوعوية، مما جعلني أخصص 40% من وقتي للعمل التطوعي، والحمدالله على هذا التكليف ازداد الطلب وأصبح عملي التطوعي بنسبة 60%، مما أدى إلى ضيق في ساعات العمل والمدخول المادي وزيادة في ساعات العمل التطوعي.

كانت لدي محاولات لكسب مدخول بسيط من تمكين أو من الوزارات التي تكلفني بالأعمال التطوعية التي كنت أستمتع بالعمل معها جداً، ولكن من غير نتيجة، ولكن ذلك الأمر لم يعطلني عن الاستمرار في التطوع والعطاء إيماناً بأن الله هو مدبر الأرزاق وأن الرزق ليس فقط المال والمادة بل إن الرزق المعنوي والنفسي والأجر المكتسب من العمل التطوعي هو الذي لا يقدر بثمن، وكنت أوافق على تقديم ورش عمل في مؤتمرات والقيام بجلسات اليوغا العلاجية ومحاضرات مدفوعة الأجر مع بعض الشركات التي كان المدخول منها يساعدني على الاستمرار.. ورغم كل ذلك لا يهمني المدخول أو التقدير فأنا أعمل لأستمتع في العمل، ورغبة في العطاء، والآن أعمل في ثواب وأجر الوالدة ولا أريد أي شيء.

حلق الشعر.. بداية جديدة

* ما حكاية حلق شعرك.. هكذا فجأة تتخلين عن شعرك الطويل المميز؟

- حلقت شعري وتبرعت به لصالح مبادرة (ثينك بينك) لدعم مرضى السرطان شيء لم يفهمه ولا أتوقع أن يفهمه الجميع، فقد كانت هذه الخطوة بمثابة تمرين ذهني ونفسي لي، محاولة مني بالتعايش مع التغيير المؤلم الكبير الذي سيطرأ على حياتي ونفسيتي بعد فقدان والدتي الله يرحمها.. كانت تحب شعري كثيراً مما جعلني أتعلق فيه وأرفض حتى قص الأطراف!

يعتقد الكثير أنها ردة فعل عشوائية، ولكن الواقع هو أنها خطوة مدروسة فكرت فيها جيدً وقمت بها عندما شعرت بأن والدتي ستغادر إلى رب كريم وأنه قد حان الوقت لإعداد نفسيتي للتغيير المؤلم الذي لا أعلم كيف سيكون.

أهديت هذه الخطوة لمرضى السرطان الذين يعانون من فقدان الشعر أثناء العلاج الكيميائي وذلك تضامناً معهم لنشر الوعي بأهمية الدعم النفسي للمرضى أثناء فترة العلاج الكيميائي، وحصلت على كم هائل من رسائل الشكر من مرضى السرطان وأهاليهم كان من ضمنها انتقاد وكلام جارح، ولكن ردود الفعل الايجابية فاقت السلبية بكثير والحمد الله، ورسالتي كانت كالتالي "القوة هي هدية للبشر، وطالما نحن على قيد الحياة نحن بحاجة إلى البقاء أقوياء.. والأهم هو أن نتعلم ألا نتعلق بأي شيء".

عطاء يكسر الخوف

* من هي صحبتك في هذه الرحلة.. وما الذي كنتِ شاهدة عليه من تلك البقعة البعيدة في العالم والتي هي خارج دائرة الضوء والاهتمام؟

- ذهبت لوحدي في مهمة إغاثية كرئيس فريق الدعم الطبي في الإغاثة الطبية البحرينية وذلك بالتعاون مع رابطة الأطباء الدوليين. التقيت بطاقم العمل في العيادة في مخيم اللاجئين من أطباء وممرضات وصيدلانيين من تركيا وبنغلاديش وفرنسا، وقمت بالاجتماع مع عدة منظمات دولية إغاثية لبحث سبل التعاون وطرق إيصال التبرعات المضمونة منذ اليوم الأول لوصولي هناك.

استطعت أن أقدم جلسات العلاج التكميلي للحوامل، حيث شهدت هناك عدداً كبيراً من الحوامل اللاجئات ليس لديهن مجال للحصول على الرعاية ما قبل الولادة، حيث بلغ عدد الحوامل في مخيمات اللاجئين 2322 مع مضاعفات صحية متوقعة، وهم بحاجة إلى خدمات صحية للولادة بشكل فوري حيث إن نسبة كبيرة من الأمهات الحوامل يلدن أطفالهن في مأوى اللاجئين.

توفقت بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لتقديم جلسات الدعم النفسي الاجتماعي لدعم اللاجئين الذين تعرضوا للصدمات النفسية جراء المعاناة والإصابات لتخفيف الآلام والمساعدة في إعادة التأهيل وتحسين جودة الحياة، وكذلك قدمت برنامجاً تدريبياً مكثفاً للدعم النفسي الاجتماعي تحت عنوان "اليوغا العلاجية لتخفيف آثار الصدمات النفسية" شاركت فيه مجموعة من النساء العاملات في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وعدة منظمات أخرى تم اختيارهن من قبل المفوضية لكي يقمن بالاستمرار في تقديم هذه الخدمات للاجئي الروهينغا الذين نزحوا من ماينمار.

الملاحظات التي تلقيتها بعد الجلسات كانت ممتازة، عبروا عن ارتياحهم وشعورهم بالاسترخاء والراحة مبدين رغبتهم وحاجتهم للمزيد من هذه الجلسات.

التفاعل الإيجابي مع مآسي العالم

* وكيف كنتِ شاهدة على هذه المأساة هناك؟

- يجب الانتباه لمعاناة اللاجئين والمأساة التي يعيشونها، حيث يشكل موسم الأمطار القادم الذي يبدأ في شهر مارس والذي تزداد معه الفيضانات والانهيارات الأرضية خطراً كبيراً على حياة اللاجئين الذين يعيشون في بيئة بدائية معرضة للانهيار، فهم على وشك كارثة إنسانية اذا لم يحصلوا على الدعم اللازم. شهدت دعماً نبيلاً من حكومات ودول أجنبية وأسفت وانحرجت من قلة التواجد العربي لدعم ومساندة المسلمين الذين أخرجوا من ديارهم ظلماً واضطروا إلى الفرار إلى بنغلاديش بسبب العنف فى ميانمار، مما أدى إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى حدود بنغلاديش فى كوكس بازار، وأصبحت مدينة كوكس بازار أكبر مستوطنة للاجئين في العالم حيث بلغ مجموع سكانها 1.3 مليون نسمة، بما في ذلك المجتمع المضيف.

لقد تسبب النزوح الجماعي في صدمة هائلة للنظام الصحي في بنغلاديش وكذلك للمجتمع المضيف. فإن العدد المتزايد من السكان الناجم عن نازحي مينمار المهجرين يتطلب رعاية وخدمات صحية عاجلة.

للأسف أزمة لاجئي الروهينغا لا يمكن حلها عن طريق التطوع والتبرعات فقط فهي تحتاج لتدخل سياسي من صناع السياسات وأصحاب القرار. أما نحن فكل ما نستطيع فعلة هو تسليط الضوء على الأزمة وإيصال صوت المعاناة وتوفير خدمات ومؤونة لمساعدتهم بشكل مؤقت.

العودة إلى الإنسانية

* الإنسانية المفقودة والمآسي.. كيف تصفينها بإسقاطها على الذات.. المجتمع.. العالم؟

- الطمع والجشع جعل البشر يعيشون في عالم افتراضي غير واقعي بعيد عن الطبيعة يرسمون فيه حدوداً وهمية ثم يفرضونها في الواقع و يعيشون بقوانين تمنعهم من حرية التنقل والترحال والترزق في أرض الله الواسعة. وكلما زاد الطمع قل مستوى الوعي الذاتي مما يؤثر سلباً على المجتمع ثم العالم.

* ما هي خطوتك القادمة.. وأين ترين فاطمة في المستقبل القريب والبعيد؟

- وجدت نفسي في الأعمال الإغاثية الإنسانية وكأن مغامراتي وتجاربي السابقة وخبرتي العملية والعلمية هيأتني للوصول إلى هذا الطريق وسأستمر بالعطاء في هذا المجال.

أقوم حالياً بالتنسيق لتطبيق مشروع فريد من نوعة للسياحة الإغاثية وذلك بناء على الرغبة والتعطش الذي شهدته من مختلف أطياف المجتمع البحريني للتطوع والمشاركة في إغاثة اللاجئين، لذلك سنقوم قريباً بفتح المجال للعامة للاشتراك في رحلات سياحية إغاثية يخصص ريعها لدعم اللاجئين وذلك بالتنسيق مع منضمات دولية، حيث سنقوم بتنسيق برامج للراغبين في المشاركة بالعمل التطوعي الإغاثي ومساندتهم على وضع أقدامهم على طريق العمل التطوعي الإغاثي والانخراط في الأعمال الإنسانية في مخيمات اللاجئين.