تتحرك السعودية بثبات نحو امتلاك برنامج نووي سلمي يهدف في المقام الأول إلى تنويع مصادر الطاقة دون الاعتماد أو الارتهان إلى النفط كمصدر أساس لتلك الطاقة، خاصة مع موافقة مجلس الوزراء السعودي قبل أيام على السياسة الوطنية لبرنامج الطاقة الذرية، مع التأكيد على أن السياسة الحكومية السعودية تشدد على «حصر جميع الأنشطة التطويرية الذرية على الأغراض السلمية في حدود الأطر والحقوق التي حددتها التشريعات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية».

ووفقاً لما أعلنه مسؤولون سعوديون فإنه «من المقرر أن يبدأ البرنامج النووي السعودي بتشييد مفاعلين ينتجان نحو 1.2 و1.4 ميغاوط من الكهرباء، في حين تخطط المملكة لبناء نحو 16 مفاعلاً نووياً خلال العشرين عاماً المقبلة، بكلفة 80 مليار دولار، حيث من المتوقع أن تنتج المفاعلات نحو 17.6 غيغاواط من الكهرباء، أي 10 % من حاجة المملكة، بحلول عام 2040».

بيد أن تصريحات وزير الطاقة السعودي خالد الفالح التي أكد فيها أن «بلاده لديها شركاء دوليون يمكنها العمل معهم إذا أحجمت الولايات المتحدة عن صفقة محتملة بشأن تكنولوجيا الطاقة النووية» بسبب مخاوف تتعلق بالانتشار النووي، حملت ما يشبه التحذير إلى أمريكا من أن هناك خيارات متنوعة وبديلة لدى الرياض بشأن مشروع الطاقة النووية خاصة مع تأكيده على أن «أمريكا إذا لم تكن معنا فإنها ستفقد فرصة التأثير على البرنامج بطريقة إيجابية»، لاسيما وأنه من المتوقع أن تعلن الرياض عن لائحة مصغرة تضم شركتين أو ثلاثاً من بين تلك التي تسعى إلى الفوز بالعقود الخاصة بالمشروع النووي، مع تأكيد عبد الملك الصابري المستشار بمدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة على أن الشركات المتنافسة حالياً تنتمي إلى عدة دول بينها الصين وكوريا الجنوبية وروسيا وفرنسا وأمريكا.

ولم يتردد الفالح في التأكيد على أنه «يأمل في التوصل لصفقة مع واشنطن، ومن الطبيعي أن تكون الولايات المتحدة معنا وأن تمدنا بالتكنولوجيا بل وتساعدنا بدورة الوقود والمتابعة والتأكد من أننا ننفذها على أعلى مستوى».

لكنه تحدث بثقة حول أنه «ليس من الطبيعي بالنسبة للسعودية جلب يورانيوم مخصب من دولة أجنبية لإمداد مفاعلاتنا بالوقود»، مستغرباً من «المفارقة في أن تختار الولايات المتحدة ألا تبرم صفقة ثم يأتي أحد ويبرمها».

ولذلك شدد على أن «السعودية محظوظة لأن لديها مصادر بديلة كثيرة أخرى وافقت على العمل معها وستتنافس على البرنامج النووي السعودي، وفي هذه الحالة لن يكون لأمريكا مقعد على الطاولة»، خاصة وأن السعودية لديها احتياطات يورانيوم ترغب في تطويرها. ووفقاً لما أعلنه ولي العهد السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، فإن «السعودية لديها أكثر من 5%ٌ من احتياطيات اليورانيوم في العالم، وإن لم يتم استخدامها فإن الأمر يشبه عدم استخدام النفط».

وحرص ولي العهد السعودي على هامش زيارته لأمريكا على الإشارة إلى أن «القدرة على تخصيب واستخدام اليورانيوم السعودي نفسه بدلاً من شرائه من الخارج، لاستخدامه في مفاعلات الطاقة»، ووجه دعوته «لأمريكا لوضع قوانين وقواعد للتأكد من عدم إساءة استخدام اليورانيوم المخصب». وهذا يصب في صالح البرنامج السعودي للطاقة الكهربائية المنتجة من المفاعلات النووية.

في الوقت ذاته، يبدي وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري حماساً كبيراً من أجل العمل مع السعودية على إبرام اتفاق نووي مدني يسمح للرياض بتخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة البلوتونيوم، خاصة وأنه لا يخفى عليه أن من سيفوز بالتعاقد سيحفظ مكانه في السعودية لفترة طويلة، وهو أحد الأسباب التي تُكسب المشروع أهمية قصوى من الناحية السياسية، خاصة مع تصعيد السعودية ضغوطها على واشنطن من أجل حسم موقفها بشأن المشاركة في بناء المفاعلات النووية، مع دخول منافسين عالميين.

وقبل فترة أعلنت هيئة المساحة الجيولوجية في السعودية أنها باشرت العمل في مشروع استقصاء وتقييم موارد اليورانيوم والتوريوم، في منطقة «أصفر ثويليل» في محافظة الحائط في منطقة حائل، حيث قالت مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، إن خامات اليورانيوم تتركز في 9 مناطق بمختلف أنحاء المملكة، وأن تلك المناطق قيد الدراسة الدقيقة من قبل المدينة وهيئة المساحة الجيولوجية.

وسارعت السعودية إلى التفكير جدياً بقرار حيازة البرنامج النووي مع ارتفاع الطلب على الطاقة في السعودية بنسبة 5 % سنوياً، فيما توقع محافظ هيئة تنظيم الكهرباء في السعودية عبد الله الشهري، أن «يتضاعف استهلاك الطاقة خلال السنوات الـ 15 المقبلة، ليصل إلى 120 غيغاواط بحلول 2032»، خاصة مع انهيار أسعار النفط الخام من فوق 100 دولار للبرميل في 2014 إلى أقل من 30 دولاراً في 2016، قبل أن يتعافى إلى 70 دولاراً، في ظل تحد آخر مع زيادة إنتاج أمريكا من النفط الصخري الذي يشكل ضغوطاً مباشرة على أسعار النفط الخام.

وربما هذا ما دفع منظمة «أوبك» وروسيا إلى التفكير جدياً في اتفاق طويل الأجل للتعاون في كبح إنتاج النفط بما قد يمدد القيود التي يفرضها المصدرون الرئيسيون على إمدادات الخام العالمية لأعوام عديدة مقبلة، وربما يصل الاتفاق بين «أوبك» وروسيا ما بين 10 إلى 20 عاماً.

* وقفة:

لم تكترث السعودية للجدل المتصاعد في الكونغرس بشأن تقييد تخصيب اليورانيوم لدى شركاء واشنطن في البرامج النووية، ولوحت بخيارات بديلة شكلت ضغطاً على إدارة ترامب في احتمال أن تكون خارج طاولة المباحثات السعودية مع دخول دول عالمية لا تقل شأناً عن أمريكا، لعل أبرزها، روسيا والصين وكوريا الجنوبية وفرنسا، من أجل الفوز بالصفقة السعودية طويلة الأجل!