قالت رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة مي بنت محمد آل خليفة إن مصنع نسيجِ بني جمرة لم يعد بالنسبة لنا حلماً ولا متخيلا، بل هو منجزٌ ومخططٌ له كي يكون أحد مشاريع البنية التحتية الثقافية والسياحية في المنطقة، لافتة إلى ربما بعض الإجراءات الرسمية والظروف حالت دون إنجاز المشروع وفق المخطط له في وقتٍ سابق، لكن ذلكَ كله لم يقلص الشغف ولم يجعلنا نتراجع، بل نحنُ اليوم نعمق رهاننا، ونتمسك بهذا المنجز الحرف والمهن ستنتصر لها الثقافة، والنسيج بتراثه اللا مادي سيواصل حياكته لهوية موطننا.

وأوضحت، تعقيباً على تعقيباً على مقال بصحيفة الوطن العدد رقم. 4493، والذي حمل عنوان "مصنع نسيجٍ واحدٍ يتحدى خطر الزوال"،نعتز عميقاً بأولئكَ الذين رغم كلّ شيء يواصلون النسج باعتباره هوية إنسانية، وبدورنا نراهنُ عليهم وعلى اشتغالاتهم، ونخططُ لأجلهم كي يكون لهذه المهنة عمرانٌ ثقافيٌّ بمعايير عالمية. أحلامهم التي تدفعهم لمزاولة حِرفَة النسيج، توازيها أحلامنا للارتقاء بمنتوجات هذه المهنة ولإيجاد فضاءٍ متكاملٍ يحمي ملامحها وتفاصيلها لا نريد في الثقافة أن نكتفي بتمرير الحِرَف والمهن التقليدية من جيل لآخرِ، بل وأيضاً من محيطها الاعتيادي، إلى حيثما يمكن تصدير ثقافتها وإيصال جمالياتها لكلّ العالم. وحول مجريات مصنع نسيج بني جمرة ومستجدات المشروع، أوضحت هيئة البحرين للثقافة والآثار أنها قد استكملت التصاميم الهندسية الخاصة به، وحرصت على التواصل مع الأهالي العاملين في هذه الحرفة لضمان توفير كافة المرافق والمكونات الوظيفية التي تؤمن الاحتياجات اللازمة، إذ كان آخرها اللقاء الذي جمع الأهالي بالشركة الهندسية للمشروع للاطلاع على فكرة تصميم المصنع ومخططاته التفصيلية، حيث من المزمع طرح المناقصة خلال الفترة المقبلة. ويؤكد القائمون من جهة الهيئة على مشروع مصنع النّسيج في بني جمرة أن العمران الثقافي المزمع إنشاؤه ينفرد بتصميم مختلف عن كافة المشاريع كونه مستوحياً من البيئة المحلية ومواد البناء الأصلية فيها، إذ تقوم فكرة المشروع على استدراج ملامح بيوت "البرستي"، واستخدام الخشب وسعف النخيل كعناصر معمارية لتأسيس المصنع. كما تمتدّ هذه العناصر بجماليتها المحلية لتسوير المشروع، الذي يحيط به أيضاً مشهدٌ طبيعيٌّ تلتحمُ فيه الطبيعة البحرينية بالتصميم الذي أعدته شركة Leopold Banchini Architects، وطورت تفاصيله وفق تطلعات أصحاب الحرفة. وعن تفاصيل التنفيذ، أكد القائمون على المشروع في الهيئة أنّ ذلك سيكون خلال مدة زمنية قصيرة، حيث سيتمّ طرح المناقصة خلال الشهرين المقبلين، فيما تنفيذ المشروع وإقامته لن يستهلكَ فترةً زمنيةً طويلة، خصوصاً وأنّ تقنيات البناء وتوافر الموادّ المحلّيّة ستسهم جميعها في الإسراع بإنجازِ المصنع. وأُشير للمشروع بالقول: "العمران يتجاوز مسألة إيجاد حلولٍ مؤقتة. نريد تنشيط وإحياء حرفة النسيج التي اشتهرت بها قرية بني جمرة لأكثر من قرنٍ من الزمان، وذلك سيتحقق قريباً بصون هذا الإرث بتأمين بيئةٍ حاضنةٍ متكاملة. إن العمران هنا هو أداةٌ حفاظية للتاريخ والحضارات، ونؤكدُ أن ذلك سيسهم بشكلٍ عميقٍ في تعزيز العمل بهذه الحرفة وترويجها في نطاقات أوسع). وذكرت إنّ المفهوم الجميل المرتبط بالممارسات المهنية والاجتماعية الشعبية والتقليدية، تهتمُّ الثقافة بالاشتغالِ عليه ليس لمجرد الحفاظ عليه بهيئته التقليدية أو الاعتيادية، بل لإدماجه في تفعيل الإرث الإنساني ولإيصاله لكلّ العالم باعتباره نتاجاً حضارياً مشتركاً بقيمته الأوسع. وتسعى الهيئة في هذا الاتجاه لتكريس العمران الثقافي سلوكاً لإنقاذ الذاكرة الوطنية وتاريخها. وقد أوضحت الهيئة أنها تجد في المجتمع المحليّ شريكاً حقيقياً، تؤمن بأحلامه ورغباته، حيث سبق وأن التقت معالي الشيخة ميّ بنت محمد آل خليفة بمجموعة من أهالي منطقة بني جمرة للإصغاء إلى احتياجاتهم ومقترحاتهم لهذا المشروع، مؤكدةً مساندتها التامة، واهتمامها الفعليّ بإنجازه في سياق بيئته الأساسية التي انطلق منها. إذ يهدفُ مشروع المصنع إلى جانبِ تأمين استدامتها والارتقاء بها وترويجها، إلى تشغيل العمالة المحلية واستنباطِ آليات وتفاصيل حرفة النسيج من الأهالي لتمريرها للأجيال المقبلة. ووجهت الشيخة مي حديثها للأهالي بالقول: تحدياتكم هي تحدياتنا. شغفكم هو شغفنا. ونحن شركاؤكم في هذا الطّريق. واصلوا الاهتمام بالحِرفَة وسنأتيكم نحن بالحلمِ حقيقةً في معمارٍ إنسانيّ يحتضنكم. نراهنُ عليكم حراساً لهوية هذا التراث الثقافيّ، فابن المكان يحميه، وابن الحرفةِ منقذها. وأكدت: احتموا بالثقافة فهي من تحمي إنسانية هذا التراث، وإعلاننا عن الحلم سابقاً، ذلك أننا نراه وسنفي به قريباً.