* الخوف الثقافي فيروس إعلامي يحمل أضراراً تعوق انطلاق الأفكار الجديدة

* الساحة العربية تعرضت لحملات إعلامية مضللة ساهمت في إشعال الفتن

دبي - صبري محمود



أكد إعلاميون أن "الساحة الإعلامية العربية تعرضت خلال السنوات الأخيرة لحملات إعلامية مضللة ساهمت بشكل كبير في إشعال الفتن"، مشيرين الى "انخراط وسائل إعلامية مضللة مثل قناة "الجزيرة" القطرية في خلق الأزمات العربية كجزء من مخطط إعلامي وسياسي مكشوف لزعزعة الاستقرار في بعض الدول من أجل الحصول على مكاسب سياسية".

وأضافوا في ختام فعاليات الدورة الـ 17 لمنتدى الإعلام العربي الذي نظمه نادي دبي للصحافة بدولة الإمارات العربية المتحدة أن "الخوف الثقافي بمثابة فيروس إعلامي يحمل اضراراً ثقافية تعوق انطلاق الأفكار الجديدة، لافتين الى "خطورة الأخبار الكاذبة، ونشر المعلومات المضللة من قِبل وسائل إعلام موجهة، تسعى لتحقيق مصالح محددة اعتماداً على محتوى وهمي يستهدف وحدة الشعوب ونشر التعصب والإرهاب".

وشهدت فعاليات اليوم الثاني من المنتدى العديد من الجلسات وورش العمل التفاعلية، وسط مشاركة عربية واسعة.

وضمن جلسة بعنوان "حملات إعلامية متوازنة"، اعتبر الإعلامي الكويتي محمد الملا أن "الساحة الإعلامية العربية تعرضت خلال السنوات الأخيرة لحملات إعلامية مضللة ساهمت بشكل كبير في إشعال الفتن وأحدثت حالة من عدم الاستقرار الأمني في بعض الدول واستهدفت فئة الشباب بصفة خاصة".

واستعرض الملا "انخراط وسائل إعلامية مضللة مثل قناة الجزيرة القطرية في خلق الأزمات العربية كجزء من مخطط إعلامي وسياسي مكشوف لزعزعة الاستقرار في بعض الدول من أجل الحصول على مكاسب سياسية، كما كشف تراجع دور المثقفين والنخب السياسية في بعض البلدان ما سمح لهذه القناة وبعض مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي بتولي إدارة أزمات المنطقة في فترة زمنية معينة خاصة خلال ما يسمى بالربيع العربي".

وأعاد الملا إلى الأذهان "ما قامت به القناة القطرية من فبركة الأحداث خلال تغطية الحراك السياسي المصري في 28 يناير وخلال ما يسمى بـ أحداث "رابعة" التي قامت بها جماعة "الإخوان المسلمين" الإرهابية لمحاولة تحقيق مكاسب سياسية من خلال بث أكاذيب وأنباء مضللة".

وأكد الملا "ضرورة الاهتمام بتطوير صناعة إعلام حقيقية تستند إلى الموضوعية والتوعية المتوازنة التي تقوم على الرأي والرأي الآخر بعيدا عن بث السموم التي تستهدف تحقيق أغراض وأهداف ومخططات سياسية مرسومة مسبقا".

واعتبر الإعلامي الكويتي أن "الساحة الإعلامية العربية تعرضت على مدى سنوات طويلة لإعلام موجّه من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية عبر قنوات عديدة منها "الجزيرة" التي أطلقت العنان لتلك الجماعة الإرهابية لنشر أفكارها المتطرفة التي تستهدف الشباب العربي بشكل خاص".

وقال إن "الجماعة الإرهابية كانت تستهدف إطلاق شعارات براقة في مظهرها ولكنها كانت تهدف في الحقيقة إلى زعزعة الأمن والاستقرار في بعض الدول العربية". واستعرض الملا "الكيفية التي تحولت بها "الجزيرة" إلى أداة إعلامية استخباراتية بهدف إلحاق الأضرار ببعض الدول العربية".

وأضاف الملا أن "القنوات التحريضية أتقنت صناعة التضليل والتحريف الإعلامي وأصبح سمة من سماتها الرئيسية بما يتوافق مع أهدافها التآمرية المتمثلة في صياغة رأي عام مؤيد لما تدعمه من أجندات خاصة".

وأشار إلى أن "صناعة التضليل الإعلامي تعتمد على مشروع منظم ومخطط له، يهدف إلى تشويش الأذهان والتأثير على العقل والتشكيك في الثوابت وخلق الاضطرابات وهدم المعنويات وإخفاء الحقائق فضلا عن الإبهام والتدليس عبر وسائل كثيرة وإمكانات ضخمة".‏

وفي جلسة "أفكار جديدة.. لماذا الخوف؟"، أكد الكاتب والناقد السعودي د. عبدالله الغذامي أن "الخوف الثقافي أخطر أنواع الخوف"، مشيرا إلى "أهمية العمل على تقديم أفكار جديدة تسهم في دفع المجتمعات العربية للأمام بعيدا عن الشعارات البراقة المضللة".

وأوضح د. الغذامي أن "الخوف الثقافي بمثابة فيروس إعلامي يحمل اضرارا ثقافية تعوق انطلاق الأفكار الجديدة، ويدفع إلى التمسك بالماضي على حساب الحاضر والمستقبل".

وأشار الغذامي إلى "أهمية تعدد الأفكار والآراء التي تثري المجتمعات، وضرورة التعامل مع هذا الخوف ومواجهته، ضاربا مثالا بمظاهرات وقعت مؤخرا في العاصمة البريطانية لندن، إحداها لمؤيدين لبقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي، حيث رفعوا شعارات تحذر من دفع فاتورة تقدر بالمليارات في حال الانفصال، فيما رفع المعارضون للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي لافتات أخرى توضح المكاسب البريطانية التي قدروها هي الأخرى بالمليارات في حالة مغادرة الاتحاد".

وقال الغذامي إن "الذاكرة العربية تحمل مغالطات ثقافية عديدة، أبرزها المفهوم الخاطئ للأفكار القومية"، مشيرا إلى أن "تلك الأفكار نتجت عن الاستعمار وما تولد عن ذلك من لحظات انكسار ومفاهيم مغلوطة، ضاربا مثالا على ذلك بما حدث خلال هزيمة عام 1967، عندما تجاهل حزب البعث السوري الهزيمة في ذلك الوقت"، معلنا أن "إسرائيل فشلت في إسقاط حزب البعث والثورة البعثية، أي أن الإسرائيليين فشلوا في إسقاط الرمز الثقافي والسياسي البعثي".

وأضاف الغذامي ان "الأفكار القومية انحسرت لتأتي بعدها الأفكار المتطرفة التي تتخفى في عباءة الدين، ومنها ما روجت له جماعة "الإخوان المسلمين" الإرهابية، والتي أطلقت أفكارا مضللة مسمومة لخدمة أهداف سياسية بعيدة كل البعد عن الدين الإسلامي وتعاليمه السمحة".

وأكدت الإعلامية نشوى الرويني خطورة الأخبار الكاذبة، ونشر المعلومات المضللة من قِبل وسائل إعلام موجهة، تسعى لتحقيق مصالح محددة اعتمادا على محتوى وهمي يستهدف وحدة الشعوب ونشر التعصب والإرهاب، مشيرة إلى قدرة الجمهور على الفرز والتعرف على المحتوى المفتعل وغير الحقيقي،.

كما أكدت الرويني خلال إحدى جلسات الــ 20 دقيقة ضمن المنتدى وحملت عنوان "بروز الوهمي وسقوط الموثوق" إلى شروع بعض الدول وفي مقدمتهم دولة الإمارات في سنّ تشريعات لمكافحة ظاهرة الأخبار الملفقة، واستشهدت بأمثلة من العالم حيث طالبت القيادات الإعلامية في انجلترا مجلس العموم البريطاني بالتصدي لتلك الظاهرة. وفي فرنسا قالت وزيرة الثقافة الفرنسية فرانسواز نيسن انه "سيتم اتخاذ إجراء قضائي لوقف نشر الاخبار المزيفة"، مشيرة إلى "عمل بلدان أخرى مثل الفلبين وألمانيا والبرازيل وماليزيا على محاربة تلك الظاهرة من خلال إطار قانون يحكمها ويعاقب مروجيها".

وعرضت الرويني نتائج دراسة أمريكية حول تعامل الجمهور مع الأخبار المزيفة، والتي حللت 126 ألف خبر على "تويتر" من عام 2006 حتى عام 2017 وتم بثها عبر منصات التواصل بواسطة ثلاثة ملايين شخص، وأوضحت الدراسة أن تلك الأخبار يعاد تغريدها بنسبة تزيد 70% عن الأخبار الحقيقية، وأن القصة المزيفة تصل إلى 1500 شخص بمعدل ستة اضعاف القصة الحقيقية، كما أظهرت النتائج أن الجمهور يعتبر الأخبار المزيفة أكثر "عاطفية" عن الأخبار الحقيقية.

كما أوضحت الدراسات أنه يتم البحث عن مصطلح "أخبار مزيفة" ما بين 70 ألف إلى 180 ألف مرة في الشهر الواحد، وأن شهر الانتخابات الرئاسية الامريكية في عام 2016 شهد تسجيل أكثر من 159 مليون زائر لمواقع إخبارية مزيفة نصف اخبارها غير حقيقية.

وأشارت إلى حاجة الجمهور إلى تعلّم التحليل النقدي والتأكد من مصداقية الاخبار من خلال التحقق من الموقع الناشر للخبر، وتوجه القائمين عليه، وما إذا كانوا يطبقون المعايير المهنية أكاديمياً وصحافياً، إضافة إلى ضرورة معرفة مصدر محتوى الخبر عند نشره لأول مرة، وهل يعكس جهد في البحث والاستشهاد بحقائق وأسماء وأرقام، أم أنه مجرد معلومات ملفّقة.

وذكرت الرويني بعض الأمثلة لقصص إخبارية مزيفة أنتجتها بعض القنوات بهدف التضليل والخداع وفي مقدمتها ما قمت به قناة الجزيرة من تحريف لتصريحات قائد القيادة المركزية الامريكية، فيما يتعلق بحرب اليمن وبعد اكتشاف القيادة للتحريف وضعت تصريح الجزيرة المفبرك وأرفقته بالتصريح الصحيح ما دفع بمدير القناة إلى الاعتذار بشكل رسمي متعللاً بأنه خطأ في الترجمة.

كما أشارت إلى معاناة قناة "بي بي سي" البريطانية من تزييف موقعها باللغة الفارسية من قبل إيران، ما دفع هيئة الإذاعة البريطانية الى تقديم شكوى رسمية للأمم المتحدة حول هذا الأمر وما ينتج عنه من تحريف للحقائق والاخبار التي لا تمت للقناة بأية صلة.

ولفتت الرويني إلى بعض المواقع المضللة التي تستغل حاجة الناس لتبث سمومها في إطار خبري معلوماتي يستهدف مصالح خاصة وموجّهة، عبر استخدام أسماء وإصدارات مشابهة لمواقع عريقة مع تغيير بسيط قد لا يلحظه المتابعون العاديون، وهو ما يدعو الإعلام إلى العمل على توعية الجمهور للتحقق من تلك المواقع قبل تداول ما تبثه من أخبار.

واختتمت الإعلامية الرويني حديثها بالإشادة ببعض التجارب العربية الناجحة في مجال مكافحة الأخبار الكاذبة، مثل مركز "صواب" في دولة الإمارات، و"هيئة مكافحة الشائعات" ومركز "اعتدال" السعوديين، وموقع "ده بجد" الذي يشرف عليه شباب مصريون.