ثمة أصوات غريبة باتت ترتفع في زحمة التحضيرات للقمة العربية، تسوّق لإملاءات ضمنية باستشراف قرار تاريخي كادت أن تجزم باتخاذه، مفاد ذلك القرار المرتقب هو، السلام مع إسرائيل من أجل مواجهة المشروع الطائفي الإيراني، واختزال نتيجة عدم اتخاذ قرار كهذا في خدمة إيران بصيغة تحذيرية تجاه تبعاته..!!

تلك الأصوات باتت تدعو إلى التوصل لحل يرضي إسرائيل، دون مبالاة بما يرضي العرب، وباتت ترى في الإصرار على حفظ الحق الفلسطيني مزايدة على القضية. بل وأصبحت ترى أن التركيز على القضية الفلسطينية أشغلنا عن قضايا عربية جوهرية، ولا أدري في أيهما تشكك، عروبة فلسطين أو جوهرية قضيتها..!! لقد برر أصحاب الدعوة لمد يد السلام مع إسرائيل فجاجتهم بعقد مقارنة بين تل أبيب وطهران، فبينما تحتل الثانية 4 عواصم و3 جزر عربية وتدير من خلالها القرار السياسي، مازالت إسرائيل تحتل واحدة فقط، ولعل هذا كافٍ برأيهم للقول بأن قضية تلك الدولة الواحدة لا تستحق التداول في القمة العربية. وهو ما يجعل تلك المقارنة في ضرب تسويق حق يراد به باطل.

صحيح أن المرحلة التي نشهدها تتطلب تحشيداً دبلوماسياً وإعلامياً تجاه طهران، ولكي لا نتجاوز بالقول بضرورة شيطنتها، فنحن أمام تحدي كشف وجهها الشيطاني الحقيقي أمام العالم وشريحة من الشعوب العربية المخدوعة بها، لكن ذلك لا يبرر أن نلبس تل أبيب ثوب الحمل الوديع. ولكي لا نلوم الدول العربية على عدم التوصل لحل بشأن القضية الفلسطينية -ونحن أمام الحديث عن حل منصف لكافة الأطراف وليس حلاً يسترضي إسرائيل- من المهم القول إن الملام الأول هو الدول الوسيطة في مبادرات السلام، لكونها لم تضغط على إسرائيل بما فيه الكفاية، بينما كان من الممكن ذلك. إسرائيل أحوج للسلام مع العرب من حاجة العرب إليه، فالحقائق تقول إن إسرائيل هشة أكثر مما نتصور، بدليل الرعب الذي يُبث في قلوب قواتها جرّاء مسيرة فلسطينية سلمية أو انتفاضة ما، جرّاء إحراق الإطارات، جرّاء التسلح الفلسطيني بالحجارة قبالة الرشاشات الإسرائيلية التي قدمت للأرض وجبات دسمة مما دفعته أرحام الفلسطينيات.

* اختلاج النبض:

لسنا من دعاة السلام مع إسرائيل ما لم يكن في ذلك حقن للدماء الفلسطينية، وإن كان لا بد من السلام فليس إلاَّ من خلال المبادرة العربية التي طرحها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله، فقد شملت حفظ الحق الفلسطيني وكفلت لإسرائيل العيش بسلام.