اختتمنا مقال الأمس بالإشارة إلى أنه هناك ثمة عوامل وأسباب تدفع واشنطن للدخول في مواجهات بالوكالة ضد طهران عبر أذنابها ومن يدور في فلكها، لا سيما على أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني وفرض عقوبات اقتصادية مشددة على إيران. وكنا قد نوّهنا لذلك في سياق الحديث عن أهمية تفكيك النووي الإيراني من جهة والأذرع الإيرانية من جهة أخرى، أن ليس ثمة مفاضلة بين الأمرين فكلاهما ضرورة ملحة بات حريٌّ بالولايات المتحدة الأمريكية التعامل معها والوقوف عليها بجدية وحرص بالغين إذا ما أرادت أن تهد أركان إيران وأسس قوتها في المنطقة.

واحدة من أهم دوافع واشنطن لدخول المواجهات ضد طهران بالوكالة هو تراجع الدعم الإيراني للأطراف الموالية لها في بلدان مختلفة من الشرق الأوسط كانت قد عثت فيها فساداً، إذ يعود ذلك التراجع الإيراني عن الدعم إلى التأثير الذي أحدثته أو ستحدثه العقوبات الاقتصادية على طهران وبالتالي ستقوض من فرص إيران طبيعياً في دعم ميليشياتها الخارجية. بل أن ذلك قد ألقى بظلاله وظلماته أيضاً على الشعب الإيراني الذي بات يبدي تذمراً متصاعداً جرّاء غلاء الأسعار، وتراجع قيمة العملة الإيرانية، وفي حالة نجاح واشنطن في تحقيق هدفها فإن هذا يعني القضاء على احترام النظام في الشارع الإيراني. يدفع الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً البحث عن موطئ قدم فاعلة أو حلحلة الأوضاع لتغيير موازين المعادلة، هو البحث عن تساوي الفرص قبالة الدور الروسي في المنطقة، ومن بعده الصيني بدرجة أقل، لاسيما في مجالات كبيع الأسلحة وتدريب المقاتلين وتزويد حلفائها بالدعم الاستخباري، ما يجعل من الأهمية صعود الدور الأمريكي لفرض التوازن اللازم للمنطقة.

إننا إذ تعرضنا في المقالين السابقين إلى الدور الإيراني الذميم في العراق ولبنان وغيرها، فإن التغير الجديد لموازين القوى في الساحات الساخنة ضد التنظيمات المالية لإيران سهلت على واشنطن المهمة وجعلتها ذات جدوى أكبر في سحقهم، فكلنا رصدنا كيف أن الحشد الشعبي صار مكروهاً في العراق، والانتخابات الأخيرة خير برهان على ذلك. أما حزب الله فقد أوجعته إسرائيل ضرباً حتى اختار المهادنة والصمت، بل وفرض على طهران صمت مرحلي لحماية مصالحه من التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة، أما الحوثيون فقد تناولنا في مقالات سابقة أيضاً كيف تمكنت قوات التحالف العربي من قادتهم ومن مراكز صناعة القرار لديهم حتى جعلت آخرين منهم كالجرذان المختبئين في الجحور خيفة هجمات الصقور، ولا شك أن ذلك كله سيفضي إلى إحداث تأثير كبير على موازين القوى، إذ نتوقع أن يميل ميزان القوى لصالح الخليجيين.

* اختلاج النبض:

رغم رفضنا لقرارات ترامبية كثيره أقربها ما يخص القدس، إلا أن هذا الرجل إن قال فعل. فهل سيبدأ ترامب بقص أذرع إيران حتى تنزف وينهار النظام؟ علموه أن لدينا مثل عربي يقول «اضرب على الحديد وهو حامٍ»، وترجمته Strike while the iron is hot.