من المبادئ الأساسية في القانون الجنائي، مبدأ تناسب العقوبة مع الجريمة وذلك لضمان تحقيق العقوبة الغاية المرجوة منها وتتمثل في الردع العام والخاص، وإصلاح المحكوم عليه وتأهيله، وفرض العدالة.

وتتخذ العقوبة -في معناها العام- عدة أشكال من حيث محلها فهناك عقوبة سالبة للحياة وتكون غالباً في شكل الإعدام، وعقوبة سالبة للحرية، وعقوبة بدنية، وعقوبة ماسة بالاعتبار، وأخرى مالية.

ولطالما شكلت «المؤسسة السجنية» الخيار التقليدي لكبح جماح النزعة الإجرامية لدى المجرمين، ومواجهة خطرهم على المجتمع، من خلال فرض العقوبات السالبة للحرية، بما يحقق غايات العقوبة الثلاث: العدالة، والردع العام، والردع الخاص.

ولكن مع وجود هذا الخيار ظهرت مجموعة أخرى من الخيارات التي تواكب تطور المجتمعات وتقدم العمل الفكري في مضمار علم الإجرام والعقاب، ومن بينها نظام العقوبات البديلة، فانصب توجه بعض التشريعات -ومن بينها التشريع البحريني- على إتاحة المجال لتبديل بعض العقوبات، وبصفة خاصة العقوبة السالبة للحرية، بعقوبات أخرى مراعية التوازن بين المصالح المتطورة للمجتمع وبين الحريات والحقوق الفردية. إن القانون رقم «18» لسنة 2017 بشأن العقوبات والتدابير البديلة، والقرارات الوزارية الصادرة والمنشورة مؤخراً في الجريدة الرسمية بشأن تحديد الجهة المعنية وآلية تنفيذ العقوبات والتدابير البديلة، وتحديد جهات العمل في خدمة المجتمع وأنواع الأعمال التي تمارس فيها، وتحديد برامج التأهيل والتدريب للمحكوم عليهم بعقوبات بديلة وإجراءات تنفيذها، لقد منح هذا القانون والقرارات التنفيذية اللاحقة له إطاراً تشريعياً متكاملاً لنظام العقوبات البديلة عن السجن.

وتشكل هذه التشريعات في مجملها خطوة رائدة على صعيد تطوير السياسة العقابية في مملكة البحرين، بما يجعلها في مصاف النظم الديمقراطية الرائدة في مجال تطبيق النظم العقابية الفعالة في ردع المجرمين وإصلاحهم وإعادة دمجهم في المجتمع كمواطنين صالحين، من خلال تقييد حريتهم -لا سلبها- وبما يواكب أحدث النظم في هذا المجال.

وللعقوبات البديلة عديد من الجوانب الإيجابية، فهي من جانب تساعد على انخفاض أعداد السجناء في مراكز الإصلاح والتأهيل، بما يتيح للدولة القيام بإجراء عملية تأهيل حقيقي للسجناء والتخلص من أعباء المصروفات التي تتكبدها أثناء وجودهم داخل تلك المراكز.

ومن جانبٍ ثانٍ، فإن العقوبات غير السالبة للحرية -أي العقوبات البديلة- تتيح للمحكوم عليه -في بعض الأنظمة العقابية- الاستمرار بالقيام بدوره في المجتمع حيث يمكنه الاستمرار في وظيفته والإنفاق على عائلته -إذا كان هو العائل- ومواصلة دفع الضرائب بما يجنب الدولة الأعباء الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على سجنه. وبالتالي فإن نظام العقوبات البديلة هو نظام عقابي متطور يرمي إلى انتشال المجرم من براثن الجريمة وإصلاحه وضمان عدم عودته إليها، من خلال عدم القضاء على مستقبله الوظيفي والحؤول دون نظرة المجتمع إليه نظرة دونية وحرمانه من الحق في الاندماج والعمل بما قد يفضي إلى احتمال وقوعه في شرك الجريمة مجدداً.

ومما تجدر الإشارة إليه أن مملكة البحرين ليست الدولة الوحيدة التي تأخذ بهذا النظام، فقد سبقها إليه العديد من الدول وقد أثبت نجاعته فيها، ومن بين تلك الدول إنجلترا حيث يطبق فيها منذ عام 1972 من خلال قانون يطلق عليه «رد الدين إلى المجتمع» إضافة إلى «المراقبة الإلكترونية». وتشير الإحصائيات إلى أن كلفة السجين الواحد في إنجلترا تبلغ سنوياً نحو 50 ألف جنيه إسترليني، بينما تبلغ كلفة إدارة عقوبة الخدمة المجتمعية 2500 جنيه إسترليني فقط.

لقد حدد قانون العقوبات والتدابير البديلة البحريني سبع عقوبات بديلة عن السجن، وهي: العمل في خدمة المجتمع، الإقامة الجبرية في مكان محدّد، حظر ارتياد مكان أو أماكن محدّدة، التعهّد بعدم التعرض أو الاتصال بأشخاص أو جهات معيّنة، الخضوع للمراقبة الإلكترونية، حضور برامج التأهيل والتدريب، وإصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة.

ويمكن -بحسب القانون ذاته- للقاضي من تلقاء نفسه أن يحكم بالعقوبة البديلة أو لكل محكوم عليه بالحبس لمدة لا تزيد على سنة أو بالإكراه البدني أن يطلب من قاضي تنفيذ العقاب بدلاً من تنفيذ عقوبة الحبس أو الإكراه البدني أن يستبدلها بعقوبة بديلة أو أكثر من المنصوص عليها في القانون.

يعني ذلك أن أعداداً كبيرة سيستفيدون من هذا القانون الذي هو في حقيقة الحال لا يلغي العقوبة التقليدية، أو يوفر للمحكوم عليهم طريقاً للتنصل منها، وإنما هو يستبدل العقاب التقليدي بعقاب آخر تحت رقابة القضاء على تنفيذ المحكوم عليهم لهذه العقوبات.

كما أن توسيع صلاحية القضاة في استبدال العقوبة من شأنه أن يقلل من أعداد من يقتادون إلى مراكز تنفيذ العقوبات، وخصوصاً المتورطين في قضايا غير جسيمة أو من الفئات العمرية الصغيرة، أو ممن يعانون من مشكلات أسرية واجتماعية أدت إلى وقوعهم في شرك الجريمة.