* الطريقة المثلى لتعويد الطفل على الصيام بالتدرّج والتشجيع والمكافأة

* تنشئة الطفل على أن للصوم ثلاثة أبعاد تتعلق بالروح والعقل والجسد

* لا يجوز إجبار الأطفال على الصوم قبل سن التكليف



* غرس مبدأ الصيام عند الطفل في وقت مبكر

نسمة محمد فوزي

يعدُّ تعويد الأطفال على الصيام من الأمور الإيجابية التي يسعى الكثير من أولياء الأمور إلى تبنيها، ويختلف الأسلوب الذي يستخدمه الآباء في هذه الحالة، إلاَّ أنَّ أسلوب تحفيز الأطفال لتشجيعهم على الصوم يعدُّ أكثر الأساليب التي يستخدمها العديد من الآباء والأمهات في هذا الجانب، وفي المقابل فإنَّ بعضاً من الآباء لا يعير هذا الجانب أدنى اهتمام، بحجة أنَّ الطفل لا يزال صغيراً أو لم يصل بعد إلى سن التكليف التي تجعله مطالباً شرعاً بصيام أيام هذا الشهر. وقد أكد أطباء وخبراء ومختصون وأولياء أمور أنه "يفضل البدء بتدريب الطفل على الصيام من سن السابعة، حيث إن عمر 10 سنوات هو السن النموذجي لصيام الطفل، ومن الضروري الاهتمام بالفروق الفردية بين طفل وآخر، حيث لا يجوز إجبار الطفل على الصيام قبل ذلك، وإن حدث وتعرّض الطفل للإجبار على الصوم أو عوقب بالضرب على تكاسله في أداء هذه الفريضة فقد يلجأ الطفل إلى الإفطار سراً"، مشيرين إلى أنه "قد تكبر هذه العادة السيئة معه، حيث إن الحث على أداء الفرائض الدينية يجب أن يتم بالترغيب لا بالترهيب، وخصوصاً الصيام، الذي يجب التعود عليه تدريجياً".

وذكروا أن "الطريقة المثالية التي تجعل الطفل يقبل على الصيام بسهولة هي التدرّج والتشجيع والمكافأة، إذ يمكن للطفل الذي بلغ العاشرة من عمره أن يصوم معظم أيام شهر رمضان، وقد يطلب هو بنفسه صيام الشهر كله، وذلك إذا تم تدريبه بشكل جيد عبر التدرّج معه في الصيام على مدى الأربع سنوات الماضية من عمره، ويمكن تشجيع الطفل الذي يبلغ السابعة من عمره على الصيام ولو لبضع ساعات، والإشادة بعزيمته أمام الآخرين، وتشجيعه على إكمال يوم أو يومين من شهر الصيام، مع تقديم مكافأة له إن استطاع تحقيق ذلك، وهكذا حتى يصبح صيام شهر رمضان فريضة اعتادها الطفل حتى دون أن ينتظر مكافأة".

"الوطن" استطلعت آراء عدد من المختصين والخبراء وأولياء الأمور والأطفال، لمناقشة قضية صيام الأطفال ولمعرفة السبيل الأمثل لتعويد الأطفال على هذه الشريعة العظيمة وعن حاجة الطفل ومدى تقبله للصيام.

من جانبه، ذكر أستاذ العقيدة والفكر الإسلامي في كلية الحقوق في جامعة العلوم التطبيقية، أ. د. مراد عبد الله الجنابي، أنَّ "من أهم الفوائد الناتجة عن صيام الأطفال، تنشئتهم على إدراك أنَّ للصوم ثلاثة أبعاد تتعلق بالروح والعقل والجسد، وأنَّ لكلِّ بعد من هذه الأبعاد رياضات تناسبه"، موضحاً أن "الصوم هو أعظم رياضات الروح، إلى جانب ما للصوم من فوائد مهمة في تقوية إرادة الأطفال، وكذلك تفاعلهم مع الأوامر الربانية، إضافةً إلى تربيتهم على تقوى الله في السِّر والعلن".

وأشار إلى أن "اهتمام الآباء بتشجيع أبنائهم وتدريبهم على الصوم منذ الصغر، من شأنه أن يعود عليهم بالنفع روحاً وعقلاً وجسداً"، مؤكداً أنَّ "على الآباء عدم إجبار أبنائهم على الصوم ما داموا صغاراً لم يبلغوا سن التكليف"، لافتاً إلى أنَّه في حال استطاع ذلك دون مشقةٍ أو ضرر عليه فإنه يؤمر به".

وأوضح أن "الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يجعلون الصغار يصومون حتى إذا بكى أحدهم فإنهم يعطونه اللعبة لينشغل بها"، مبيناً أنَّ "جمهور العلماء قالوا إن الصبيَّ المميز تصحُّ عباداته ويثاب عليها".

من جانبه، قال د. محمد عبد الحكيم إن "على الآباء تشجيع أطفالهم على الصيام عبر رفع وعيهم بذلك، والحديث معهم بشكل مبسط لبيان أنَّ عمق فكرة الصوم ليست الحرمان من الطعام، وإنما هي ببساطة فكرة تقوم على التقوى والتوقف بشكل مؤقت عن الأكل"، مؤكدا أنَّ "هناك حاجة ماسة لأن يعمل العديد من الآباء على مراجعة طريقة تنشئتهم لأطفالهم في هذه المسألة"، مشيراً إلى أنَّ "البعض يتحدَّث مع الطفل عن الصيام من منطلق أنه شيءٌ جميلٌ ورائع، وفي الوقت نفسه يشعرونه أنَّ فيه مشقة كبيرة".

بدوره، اعتبر د. كمال طه أنَّ "غالبية من يصلون إلى مرحلة البلوغ ولم يصوموا بعد هم من تشكلت لديهم مثل هذه القناعات"، داعياً الآباء إلى "الحذر فيما يتعلق بمسألة تشكيل القناعات لدى الأطفال"، مبيناً أنَّ "عامل المشقة لم يعد موجوداً في الغالب عند صوم الأطفال في الزمن الحالي، إذ إنَّ معظم الأطفال يستيقظون ما بين الساعة الثانية والثالثة عصراً، حيث لم يتبق إلاَّ أقل من أربع ساعات على أذان المغرب، ثمَّ يجلس الطفل أمام جهازه الشخصي متنقلاً بين ألعابه حتى وقت الأذان".

من جهتها، ذكرت براء جمعة - ولية أمر لطفلين - أنه لا يجب على الأطفال الصيام حتى يبلغوا سن الصيام لأن أجسامهم وهم في هذا السن تحتاج كل الاحتياج إلى وجبات منتظمة وأهمها وجبة الفطور فهي عامل أساسي في بناء جسم صحي وسليم للطفل". وأوضحت أنها "لن تتخلى عن هذا النظام حتى يبلغ أبناؤها سن الصيام وعندما يأتي سن الصيام حينها ستقوم بتعويدهم وتحبيبهم في الصيام بطريقة بسيطة ولن تستخدم العنف معهم مهما حصل، وقالت إن "الله فرض من شروط الصيام أن يكون الشخص بالغاً لحكمه لأنه قبل ذلك يكون بعمر يحتاج إلى أن يأكل وينمو، ودائماً الدين يسر وليس عسراً".

رانيا بركات - ولية أمز لتوأم، يبلغ 7 سنوات، رأت أن "غرس مبدأ الصيام عند الطفل يجب أن يكون في وقت مبكر حتى لا يتفاجأ الطفل بأنه ملزم على الصيام دون أن يكون قد تعود على ذلك، أو دون الإدراك الكافي لحقيقة الصيام، وبالتالي سينعكس عليه سلبياً، حيث ينتج سلوكيات خاطئة بأن يختبئ ويأكل دون ملاحظة الأهل أو أنه يستغل وجوده في المدرسة فيأكل ولا يلتزم بصيامه". وبينت مدى اهتمامها بهذا الأمر حيث إن أولادها يصومون صياماً سليماً منذ صغرهم وأنها كانت تحاول تدريبهم منذ سنة ماضية، وتشعر بسعادة وفخر أنها تمكنت من أن تغرس في أطفالها حبهم للصيام والتزامهم به.

وأكدت أنها "تشعر بالخوف عليهم في كثير من الأحيان لأنهم كثيرا ما يشعرون بالتعب والإرهاق خاصة أنهم كانوا يذهبون للمدرسة ويتعرضون لأشعة الشمس والجو الحار أثناء صيامهم، ومع ذلك فإنهم يحافظون على صيامهم ويلتزمون به".

"ولتفادي مسألة ضعف الأطفال واستسلامهم تقوم بتحفيزهم ومكافأتهم كي لا يستسلموا وهنا يتدخل الأب لكونه القدوة لأبنائه فيعمد إلى أن يظهر لهم عدم استسلامه رغم تعبه"، بحسب ما ذكرت بركات.

من جانبه، قال الطفل يوسف رأفت "9 سنوات"، إنه "قد اعتاد على الصيام ويسعده كثيراً أن يشعر بأنه كبير بما فيه الكفاية للجلوس مع إخوته الأكبر منه سناً وتناول الإفطار معهم".

أما الطفل عبد الرحمن حشمه "10 سنوات"، فأوضح أن "الصيام يجعله أكثر تحملاً للمسؤولية، ورغم شعوره بالإعياء إلا أنه يلجأ إلى النوم بعد يومه الدراسي كي لا يستسلم".

من جهته، أوضح الطفل حسن علي "7 سنوات"، أنه "يتحمس لرمضان ويمكنه تحمل الصوم ويتجنب اللعب في الفسحة مع أصدقائه كي لا يرهق نفسه ويضطر لقطع صيامه"، مشيراً إلى أن "رمضان شهره المفضل"، مضيفاً "أحب رمضان لأن الشياطين محبوسين فيه".

***

محمد