تحدثت في المقال السابق عن معرقل الحكومة كأحد المحددات الرئيسة في قياس الأداء البرلماني في مملكة البحرين، وفي هذا المقال سنتطرق إلى محدد آخر وهو الناخب، من خلال الوعي السياسي والثقافة البرلمانية التي يمتلكهما وتأثيرهما المباشر على المشاركة السياسية.

الناخبون في البحرين منقسمون وفقاً لمؤشرات سلبية تجاه مشاركتهم السياسية في الانتخابات، حيث كثير منهم يصطفون خلف مؤشرات طائفية ويتبعون ولاءات غير سياسية، وهو ما أثبتته تجارب الانتخابات النيابية السابقة، وما شهدناه من صراع بين الطائفية والولاءات والانتماءات الحزبية والقبلية بمفهومها التقليدي.

إن الوعي السياسي لا يقتصر على الأفراد، بل يشمل المنظمات والمؤسسات والمجتمعات على حد السواء، حيث إن هذه المنظمات تتألف من مجموعة من الأفراد، وهم القادرون على جعلها مؤثرة أو غير مؤثرة، وقياس درجة التأثير يعتمد على ما يمتلكه الأفراد من وعي سياسي وفهم عام للعملية السياسية ومكوناتها من انتخابات وبرلمان وحقوق وواجبات.

وعندما أتحدث عن سلبية الناخبين تجاه المشاركة السياسية فإنني أجزم بأن الناخبين في البحرين بصفة عامة تنقصهم المعرفة السياسية الواعية التي من خلالها يمكن انتخاب برلماني قوي ومؤثر وذي خبرة وكفاءة في إدارة وظائف البرلمان (السياسية والتشريعية والرقابية). وهذه المعرفة تعتمد على الإلمام التام بأهمية اختيار ممثلي الشعب وفقاً لاعتبارات سياسية دون المؤثرات التقليدية التي تعتمد على القبلية والمذهبية والمصالح الذاتية التي تجعل من اختيار الناخبين لممثليهم اختياراً غير موفق.

كل هذه المؤشرات تدفعنا للجزم بوجود سلبية في تعاطي الناخبين للمشاركة السياسية، يضاف على هذه المؤشرات ضعف الأداء العام للبرلمان وتراجع قوته السياسية أمام السلطة التنفيذية (الحكومة)، وهو ما يخلق جواً عاماً من السلبية والإحساس بعدم قدرة البرلمان على التأثير وصناعة القرار وإحداث التغيير الذي ينشده الناخبون.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال محاسبة النواب على أدائهم السلبي أو تراجع مخرجاتهم في العمل البرلماني، بل وحدهم الناخبون هم الملامون على ذلك، فهم القادرون على إحداث التغيير المطلوب، من خلال تقديم أصواتهم للمرشحين الأكثر كفاءة وقدرة على إحداث التغيير والتأثير.

إن اختيارات الناخبين في البحرين لا تعتمد على ما يقدمه المرشحون من برامج انتخابية وسياسات عامة يسعون إلى تحقيقها، بل لا تزال الهتافات والشعارات الفضفاضة والانتماءات القبلية والمذهبية هي السائدة في العرف الانتخابي.

وواقع الأمر أننا لا نجد إلا قلة قليلة من المرشحين الذين يقدمون برامج انتخابية متكاملة، وكثير منهم لا تتاح له الفرصة للوصول إلى البرلمان، وحتى لو وصلوا للقبة البرلمانية نجدهم يستبدلون برامجهم الانتخابية التي أوصلتهم للبرلمان ببرامج أخرى لم تكن في الحسبان، بل إنهم لا يتذكرون أحياناً برامجهم!

وعندما نقيس أداء البرلمان فإننا نقيس أيضاً درجة الوعي السياسي لدى المواطنين، فهؤلاء النواب هم حصيلة للإرادة الشعبية وهم عيّنة حقيقية من واقع المجتمع البحريني الذي يتميّز بالاختلاف والتنوّع الفكري والسياسي والمذهبي والعقائدي، والحقيقة عندما نحصل على برلمان قوي ونواب مؤثرين فإننا سنجزم حينها أن الناخبين أصبحوا على وعي سياسي وفهم تام للعملية السياسية، وهو ما نتمناه في برلمان 2018.