* نعمة أن يختارك الكريم المنان لتكون في وفادته، أو تخدم ضيوفه، فإنك بلا شك قد ظفرت بأجمل الرحلات في موسم قد لا تعود إليه مرة أخرى.. وهذه الرحلة الإيمانية تدك نفسك دكاً بمشاهد إيمانية لها الوقع الكبير في تغيير النمط الذي اعتدت أن تسير عليه في مسير الحياة.. فمع كل منسك من مناسك الحج تجد أنك كنت تائهاً في فترات مضت من حياتك.. فتتمنى أن لو تصيغ حياة جديدة لا مجال فيها للفتور عن طاعة الله تعالى وحسن عبادته. من تلك المشاهد مشهد الأيادي المرفوعة لفترات طويلة في مواطن استجابة الدعاء في المشاعر، فلا تكل ولا تمل من الدعاء.. لأنها كانت تنتظر السنوات حتى تكون في هذا الموطن الذي تسكب فيه العبرات وتستجاب فيه الدعوات.. فظلت تدعو وتدعو وتسأل الله سبحانه وتعالى كل حاجاتها.. مشهد قد يراه البعض من المواقف الاعتيادية.. في حين أن من يتأمله يستصغر نفسه بأنه لم يسأل ربه الحاجات بقلب مطمئن ونفس ساكنة وفكر حاضر.. الحج تربية إيمانية لنفسك تعود بعدها إلى مساحة محبة المولى تعالى التي ابتعدت عنها في ظل ملهيات الحياة وتكاليفها الكثيرة.. إنه الزاد الإيماني الذي يعينك على أيام الحياة الباقية.

* رأيته مبتسماً فرحاً مسروراً في اللحظات الأولى من خروجه من مطار الحجاج.. يحمد الله تعالى على كرمه بأن منحه هذه الجائزة الكبيرة لحج بيته الكريم.. ولعلها المرة الأولى التي يحج فيها بعد أن قضى حياته يجمع الأموال ويستعد حتى يأتي دوره للحج.. في الوقت الذي تجد فيه الآخرين يفضلون الرحلات السياحية على أداء فريضة الحج، وهو الذي لم يشم بعد عبق أجواء الحج الإيمانية! نعم الله سبحانه وتعالى كثيرة لا نعرف قيمتها إلا إذا افتقدناها، فلا يعلم المرء ماذا ينتظره في الغيب.. وفعل الخير وما افترضه الله سبحانه وتعالى علينا مقدم على واجبات الحياة.. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال سبعاً هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر».

* نغفل كثيراً عن حمد الله تعالى وشكره على ما أنعم به علينا وتفضل به، والحمد قيمة إيمانية تعبد بها العديد من الأنبياء كما ورد في القرآن الكريم، يقول عز وجل: «الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء».

وقال سبحانه: «فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد الله الذي نجانا من القوم الظالمين». وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم». وقوله عليه الصلاة والسلام: «أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت». اللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

* رحيل كبار السن من جيل الطيبين الذين تشتاق إلى رؤيتهم وتبادل أطراف الحديث معهم، هو في حد ذاته رحيل موجع تفتقد معه تلك الهمسات الهادئة، وتلك اللمسات الجميلة التي تتبادلها معهم في أيام الحياة.. رحل منذ أيام أحد رواد مسجدنا، وأحد أعمدة حالة بوماهر الحاج «بوعيسى» عبدالله سالم الشروقي.. فكانت لنا معه الذكريات الجميلة في مسجدنا وفي مكتب «بومحمد» الذي سبقه إلى رحمة الله.. ودعني وداعاً حاراً قبل مغادرته للإمارات للقاء أبنائه هناك، وقال: «سأسافر لأرى أبنائي قبل أن أموت». بالفعل كانت رحلة الوداع الأخيرة.. قال تعالى: «وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت».. سبقونا إلى رحمة الله.. وسنظل نرسم أجمل الذكريات مع من نحب.. حتى يذكرونا بصالح الأعمال وأجمل الأثر.. وهكذا تستمر الحياة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

* يبتليك المولى الكريم في بعض مواقف الحياة بأمور لم تكن في الحسبان، وعندما تنظر إليها بمرآة مكبرة وتتأمل فيها كثيراً، فإنك تجد أنها ابتلاءات مبطنة برحمة وبخير لم تدركه إلا فيما بعد.. مواقف تحصد من ورائها أحياناً محبة الآخرين ودعواتهم الخالصة لك في أيام مباركة، وتكسر حواجز الحياة مع آخرين لم تربطك معهم أية علاقات أخوية سابقة.. هي الحياة لا تستقر على وتيرة واحدة، تتغير أحداثها وتنتظر مفاجآتها، ثم إنك في نهاية المطاف تظل ذلك الإنسان الخير العامل في طريق الخير، لا يبتغي ثناء الناس، بل يسعى إلى إحسان الأعمال، والشعور بإحساس رضا المولى الكريم.

* لا يقتصر دورك في الحياة بأن تظل حبيس الزوايا المظلمة في بيتك أو في مجتمعك.. بمعنى ألا يكون دورك قاصراً على تلك المساحة الصغيرة في البيت وتلك الأزرار الإلكترونية التي تتعامل معها، متواصلاً مع ثلة من أفراد المجتمع تتواصل معهم في حدود ضيقة.. فإنك بذلك قد ظلمت نفسك ظلماً كبيراً.. فمشاهد الخير كثيرة وغير محصورة في تلك الجوانب الضيقة، ومن أهمها توسيع دائرة معارفك من خلال المشاركة الفاعلة الإيجابية في كافة مناشط الخير في المجتمع، من أجل أن تلك الوجود داعية لك بالخير شاهدة لك بجميل الأثر بعد عمر مديد تقضيه بإذن الله في طاعة الله تعالى ورضوانه.

* يحتار قلمك فيما يكتب أحياناً.. يجول في ذاكرة الأيام وفي مواقف الحياة.. فلا يجد أجمل ما يكتب إلا في مشاعر الحياة التي حرمنا منها كثيراً في ظل نظراتنا القاصرة.. أجد قلمي يخط حروفه من أجل أن يكون مؤثراً من أجل أن ننتبه لنفوسنا قبل فوات الأوان.. تأمل من حولك وأقدار الحياة.. فإنك ستكون يوماً ذكرى في حياة الآخرين.. اكتب شعارك اليوم: «لن يسبقني إلى الله أحد».

* ومضة أمل:

اللهم تقبل من حجاج بيتك حجهم وأخرجهم من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، وأرجعهم إلى أهليهم وديارهم سالمين غانمين.