هل بالإمكان إدراج الردود على وزير التجارة ضمن حق وحرية التعبير؟!

هل أصبح إقحام الأمور الشخصية والعائلة والآباء والأجداد عرفاً مقبولاً في اختلافنا مع بعضنا البعض؟

شخصياً أختلف مع الوزير في أمور عديدة، إنما يبقى اختلافي معه حول رأيه في مسألة ما أو حول سياسة ما، وهكذا هو حال من يختلف مع أي مسؤول دون شخصنته، أفتح النقاش حول الرأي الذي أختلف معه، وأجادله فيه بكل حرية، وحتى لو استخدمت الأسلوب الساخر في التعبير أو أي وسيلة كانت، فإن أخلاقي تفرض علي أن يبقى حوارنا ضمن موضوع الاختلاف فقط، أي تكون رداً على ما قال أو اتخذ من قرارات، ولكنني لا يمكن أن أقبل أن أنحدر في أخلاقي بشكل يخرج الاختلاف إلى المساس بشخصه أو أن أستغل اختلافي مع أي شخص إلى المستوى الذي وصلت إليه الكثير من الردود التي مست سمعة أسرته التي نكن لها كل الاحترام والتقدير.

المحزن والمؤسف في الأمر ليس تداول تلك الرسائل اللا أخلاقية المسيئة للعائلة الفاضلة في وسائل التواصل بل المحزن هو أنها تلقى تأييداً وتشجيعاً!

معقولة؟ هل هذه هي أخلاق أهل البحرين؟ وكأننا خرجنا من موضوع الاختلاف إلى التنابز بالألقاب، وهل أصبح لهذا الفعل القميء معجبون ومؤيدون؟ فلا أجد أحداً يردع هذا التصرف أو يشير له أن يقف أو يبدي قدراً من الانزعاج؟

وجود «شواذ» كتبوا أو سجلوا رسائل صوتية مسوا فيها أسرة الوزير أمر وارد، لكن الذي أحزننا هو تأييدها وتشجيعها والتصفيق لها من قبل الآخرين، المسألة أصبحت إذاً خارج نطاق الشاذ من التصرفات بل تحولت لظاهرة اجتماعية سيئة مستحسنة ومستحبة!

لم نكن هكذا أبداً أبداً، هذه ليست هي البحرين التي أعرف، كيف أصبحت هذه أخلاق أهل البحرين؟ بل كيف ننتظر من أي مسؤول أن يصرح أو يتحدث علناً بعد ذلك، إن كان هذا هو مصير من نختلف معه؟

تريدون أن نتحدث عن السياسة الحكومية؟ تريدون أن ننتقد قراراتها؟ تريدون أن تحاسبوا كل وزير على حدة على أدائه و مسؤوليته الوزارية؟ فمرحباً بكم، نعم هذا حقكم ونتمنى أن يرتفع السقف أكثر وأكثر، فهذا حق بل وواجب وطني فالرقابة الشعبية على السلطة التنفيذية مطلوبة.

تريدون أن تناقشوا الوزراء أو تناقشوا بعضكم البعض في أفكاركم وآرائكم الشخصية فذلك ما نرجوه، إنما لتكن هناك ضوابط وقواعد أخلاقية نحتكم إليها في حوارنا، احموا بها أنفسكم من مصير رضيتموه على غيركم، قبل أن تحموا من تختلفون معه، ليكن رفض الانحدار الأخلاقي في الحوار والنقاش رفضاً جماعياً واستهجاناً جماعياً وردعاً جماعياً كي نرقى جميعاً ولا نسمح لأحد أن يجرنا معه للأسفل.

أولاً لتكن هناك قاعدة أساسية في إصدارنا الأحكام على الآخرين وهي أن نتأكد من المصدر.

ثانياً أن نتأكد من القصد والمعنى من القائل نفسه لا من «متبرع» بالتفسير.

فلا نأخذ ما وصلنا على أنه القول الفصل أو هو الرأي، إذ لطالما تبرع البعض منا بتفسير أقوال ليست أقواله، وشرح مقاصد لم تكن في ذهن القائل، ويصبح التفسير الجديد عندنا هو المعتمد لا تفسير صاحب القول! وكم من حملات تم شنها بناء على تفسيرات وشروح صادرة من آخرين لا من صاحب القول.

ثالثاً لنستفد من فرص كهذه تخلق حالة من الجدل في ما يعود بالنفع علينا جميعاً، أي ليكن الجدل محمولاً برسالة نافعة، نحن في زمن تضيع علينا فرص الاستفادة من حرية التعبير وحقه ومن البيئة التي نتمتع بها في إمكانية الحوار والجدل الصحي، لأن الأصوات العالية هي لمن يسب ويشتم ويستهزئ ويتحسب وهناك من ينتعش في هكذا بيئة ويجد ضالته فيها ويصبح المرجع لها، فتتلاشى فرص الحوار الجاد.

كما كانت فرصة ممتازة لو فتحت تلك العبارة التي أثارت الضجة المجال لمناقشة السياسة العامة للدولة ولوزارة التجارة تحديداً، إنما بشكل حضاري راقٍ ومهني، فعلى تلك السياسة الكثير من التحفظات والملاحظات ولو فتحنا المجال لأصحاب الاختصاص أن يبدوا رأيهم في تلك السياسة وفي آراء الوزير وأفكاره، وقد حاول البعض ذلك بأن كتب بشكل مهني تحفظاته على السياسة الاقتصادية وقارن مع دول أخرى ووضع حججه وأدلته وو و، كانت فرصة أن نستمع لكل وجهات النظر في السياسة الحكومية حتى من الوزير نفسه أن يجادل ويدافع عن سياسته فقد نقتنع بها أو ببعضها، وقد نقنعه بالتغير لكنها رسائل ضاعت في سيل الرسائل التي شخصنت الموضوع وانحدرت أخلاقياً في أسلوبها.

المجتمع البحريني مخير الآن إما أن يتحرك فيه عقلاؤه وحكماؤه ويرتفع صوتهم ويتواجدوا على الساحة لتحفيز المجتمع على العودة لأصوله وأعرافه وتقاليده الجميلة وإما ترك الساحة للأصوات الغوغائية التي تريد جرنا وجر أجيالنا القادمة لمنحدرها.