السؤال الأهم في موضوع الصحافي السعودي جمال خاشقجي هو ما مصلحة السعودية من اختطافه أو اغتياله في وقت تستطيع فيه بسهولة استدعاءه إلى الرياض والتحقيق معه بشأن أي موضوع كونه مواطناً سعودياً؟ لو أن السعودية تريد الإتيان بخاشقجي لأتت به ببساطة ومن دون أي ضجة، فما الذي يجعلها تتخذ الطريق غير المنطقي و»تدبير حيلة لإخراجه من الولايات المتحدة وجعله يتخذ قراراً بالسفر إلى تركيا ثم لإدخاله إلى قنصليتها في إسطنبول وإخفائه أو قتله»؟

القصة التي انتشرت لا يمكن أن يصدقها إلا اثنان، فاقد عقل وساع للإساءة إلى السعودية، عداهما لا يمكن لأحد أن يصدق كلمة من الذي تم ويتم الترويج له، وليس دليلاً أبرز على أن القصة من الأساس مختلقة والمراد منها الإساءة إلى الرياض وإلى شخص صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية من اهتمام الفضائيات «السوسة» بها وخصوصاً قناة «الجزيرة» القطرية التي تكاد تقول بإظهار نفسها في مظهر المريب «خذوني».

هناك قصة تم التخطيط لها جيداً، المشاركون في تأليفها هم تركيا وقطر وجماعة الإخوان المسلمين وكل من يعتبر أن له «ثأراً» مع السعودية، قصة يصعب تكشف خيوطها الآن أو ربما حتى في الشهور القليلة المقبلة، وقد يستمر غموضها أعواماً عديدة، لكن الأكيد هو أن السعودية براء منها وأنها المستهدفة والضحية، فالسعودية قادرة على الإتيان بأي مواطن سعودي من أي مكان في العالم مهما كانت الامتيازات التي يتمتع بها حيث يقيم، ومساءلته ومعاقبته لو كان مخطئاً.

كلما طال أمد القصة وزاد غموضها زاد الذين يقتنعون بأن ما حدث هو من تدبير جهات تقودها قطر وأن العملية مدبرة خصوصاً وأن السعودية باشرت بإرسال فريق منها إلى تركيا للمشاركة في عملية التحقيق والرد على الادعاءات وتوفير ما يلزم من إجابات، إذ لو أن السعودية كانت ضالعة في ما حدث لما وافقت على ذلك ولما أعطت الإذن لدخول القنصلية وتفتيشها.

للتذكير فقط فإن خاشقجي زار قطر قبل حين والتقى بأميرها وأميرها السابق ويتوفر فيديو قصير يؤكد فيه بنفسه أنه قابلهما وأنه بصدد بث قناة «العرب» -التي منعت البحرين بثها من المنامة بعد ساعات قليلة من بدء بثها منها- من الدوحة. في الفيديو نفسه يقول خاشقجي إن الأمير القطري مازحه ومازح والده بالقول بأن هذه القناة ستنافس «الجزيرة».

هذا يؤكد بأن للنظام القطري علاقة قوية بقصة اختفاء خاشقجي وأنها قد تكون وراء كل القصة، أما الغاية فواضحة وهي الإساءة إلى السعودية التي تتخذ موقفاً صلباً من جماعة الإخوان المسلمين وتقود عملية مقاطعة النظام القطري أملاً في إعادته إلى حيث كان وينبغي أن يكون وتعمل جاهدة على تصحيح الأوضاع في اليمن التي من أسباب شين وضعها التدخل القطري والإيراني فيها.

هناك إذن أسباب مقنعة أكثر تدفع إلى الاعتقاد بأن النظام القطري هو الذي يقف وراء قصة خاشقجي وأنه هو الذي دبر بالتعاون مع دول وجهات أخرى قصة اختفائه وترويج كل تلك السيناريوهات التي تفضح نفسها بنفسها وتتكشف يوماً في إثر يوم، وأنه هو الذي يمول وسائل الإعلام التي تروج للشائعات التي لا تنضب، وهذا ما أكده معالي وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة عبر العديد من التغريدات حيث ذكر بأن «الهدف هو السعودية وليس البحث عن أي حقيقة» وطالب كل من يتخذ من السعودية موقفاً سالباً بأن يرموا أقنعتهم «فنحن معها بأرواحنا» ونبه من جديد إلى أن «عداء الجزيرة للسعودية وتجنيها وكذبها المستمر يعكس سياسة قطرية لا يمكن التصالح معها».