خذوها قاعدة، كل العمليات التي تتم في أي قطاع كان، كل الحراك الذي يبذل، كل الجهود التي تقدم، قد لا توصلك لنتائجك المرجوة، ولا تدفعك لتحقيق أهدافك، إن كان هناك خلل في «المنظومة الإدارية».

لذلك دائماً ما نقول بأن «الإصلاح الإداري» في أي قطاع أو كيان، هو «الأساس» الذي يبنى عليه كل شيء.

هذا «الإصلاح الإداري»، هو الذي يخلق لك أولاً، بيئة مهنية «صحية»، فيها تتفجر إبداعات الكفاءات، وفيها تجد الدافعية للعطاء والعمل، فيها تجد الحافز للموظف المجتهد، وفيها يتم خلق «الانتماء المؤسسي» لدى الموظفين.

لا يمكن لأي قطاع أن ينجح بشكل «كامل»، ولا أن يحقق «كل» أهدافه، إن كان مفتقراً لعمليات «الإصلاح الإداري».

لماذا نرصد حالات كثيرة لأشخاص يعبرون عن الإحباط المهني، وهناك من يكره موقع عمله، وهناك من يبحث يمنة ويسرة ليخرج من المحيط المهني الذي هو فيه؟! كل هذه الأمور تعود في النهاية -مهما تغيرت الظروف- إلى المحيط الإداري في هذا القطاع أو ذاك.

العدالة الإدارية، أحد السمات الهامة التي يجب أن تسود في أي قطاع يتطلع لأن يكون قطاعا مؤثراً وإيجابياً في منظومة العمل الحكومية، والتي بدورها تعمل لتحقيق الأهداف الرئيسة للدولة في جوانب التنمية والبناء والتطور.

هناك قطاعات لديها مهام سامية، وأهدافها راقية، والمرسوم لها أمر كبير جداً، لكن تستغرب حينما لا يكون عطاء أفرادها مواكبا للتوقعات، ولا يكون تقرير نتاجها أو تقييم حراكها وعملها بالغاً لنسبة الرضا العام لدى راسمي السياسات العليا.

هنا الخلل يكون في «المنظومة الإدارية»، وتحديدا في عملية «إدارة البشر»، وبالتأكيد ستجد خللاً ما، سواء أكان صغيراً أو كبيراً، يرتبط ارتباطاً مباشراً بسلوكيات فردية غير صحيحة، قد يكون مصدرها أصحاب المستويات التنفيذية العليا، أو قد تكون نتيجة تأثيرات لأفراد يشكلون مجموعات و»شللية» و»بطانة» تحيط بالمسؤول.

والنقطة الأخيرة فيها خطورة كبيرة، إذ طالما كان هناك نوع من التفضيل «غير الصحيح» وغير المبني على التقييم المهني القويم، لبعض الأفراد الذين يقعون ضمن التصنيفات التي أشرنا لها أعلاه، فإن الأجواء المهنية ستكون غير صحية، ومعيار «الإصلاح الإداري» سيكون مختلا تماما، لأن العدالة الإدارية ستغيب الضرورة.

بالتالي أي قطاع يتطلع لانتهاج أساليب جديدة في العمل، أو يسعى لطرح خطط واستراتيجيات طموحة لمواكبة المستقبل وتحقيق الأهداف، لابد وأن يضع في اعتباره أهمية صناعة «بيئة إدارية» صحية، فيها لا يقع ظلم على الموظفين، فيها تتم مكافأة وتقدير الكفاءات والمنجزين، وفيها احترام للقوانين وتطبيق إداري صحيح لها، بحيث يكون الجميع سواسية ضمن منظومة «الحقوق والواجبات المهنية».

الإيجابية في أي قطاع تعد أحد عوامل نهوضه، بل تعتبر وقوداً أساسياً لتقوية وتيرة العمل، وفق أساليب مهنية صحيحة، لأنها باختصار هي من تخلق الرضا لدى الموظف، والأهم تجعله يؤمن بوجود «الأمان الوظيفي» والثقة بالنظام الإداري الذي لن يظلمه، ولن يجعله فريسة لفئة الواشين والمتمصلحين والأفاقين والفاسدين، وهم تجدهم بالضرورة غير منتجين.

هذا الإصلاح الإداري، هو بمثابة «أساس» البيت، وحينما تكون الأسس قوية، يكون البناء قوياً وشامخاً ويدوم لعقود وقرون، وبالعكس إن كان هشاً، وغابت العدالة عنه، فإنه عرضة للانهيار في أي لحظة، وأخطر انهياراته يتمثل في فشل تحقيقه للأهداف والغايات التي أنشئ هذا القطاع أو ذاك من أجلها.