هل مازال هناك ثمة مجال للتحجيم من حقيقة الفساد المستشري في العراق، والذي زادته تأكيداً لا مبالاة الحكومة العراقية إزاء بيع جدارية آشورية تعود للملك آشور ناصر بال الثاني، في مزاد علني لدار كريستي في ‏نيويورك، فلا أظنني قد أفشيت سراً بالقول إن العراق قد تعرض خلال ‏الغزو الأمريكي وبعده وطوال عقد ونصف من الزمن إلى أكبر عملية نهب لآثاره في تاريخه، فسرقة الآثار لم تكن تساوي مصالح الأحزاب العراقية التي تفرغ لها الساسة.‏

عمر الجدارية 3 آلاف عام، وهي «لنصف رجل ونصف إله آشوري يحمل دلواً وثمرة في دلالة على الخصوبة»، وقد ذكر جي. ماكس بيرنهايمر، رئيس القسم الدولي للآثار في دار كريستي قوله، إن «المنحوتة الآشورية هي بلا شك أروع ما طُرح في السوق منذ أكثر من جيل، بمفردات الأسلوب والحالة والموضوع». بيعت تلك الجدارية خلال المزاد، بسعر يتراوح بين 35 و36 مليون دولار مع إضافة الضرائب، وهو مبلغ يكفي لبناء محطة كهرباء تنير ليل العراق المظلم. ما يثير السخرية رد وزارة الخارجية العراقية على تساؤل الشرفاء العراقيين -ممن صبوا جام غضبهم عليها إزاء بيع ‏الجدارية- المتمثل بالقول «نتابع الموضوع». بينما علقت السفارة الأمريكية في بغداد بأنها لم تتلقَ أي طلب عراقي رسمي بهذا الصدد من وزارة ‏الخارجية العراقية..!! وبعد انكشاف تقصير وزارة الخارجية صرحت أن طلب إعادة الجدارية إلى ‏العراق، لن يكون له أثر قانوني، لأنها ملكية خاصة وأنها لا تستطيع فعل شيء. الأدهى والأمر تصريح بعض منتسبي ‏البرلمان بالقول إن «بناء مدارس للأطفال، أهم ‏من إنفاق الأموال على قضايا غير مفيدة»!!

ما يبعث على الريبة إدخال تركيا في الموضوع، فهل جاء ذلك كونها لاعباً إقليمياً ويجب أن يكون لها قرص في كل عرس؟!! لقد قدمت دار ‏المزاد، وثائق تعود إلى الدولة العثمانية، ومصدقة من الأتراك، تفيد بسماح الباب العالي -في ‏حينه- لعالم آثار بريطاني بالتنقيب في موقع جنوب الموصل، ونقل كل ما يعثر ‏عليه إلى خارج العراق، وأن القطعة الأثرية كانت من ضمنها وقد سرقت في منتصف القرن ‏الماضي، عندما كان العراق تحت الاحتلال العثماني، وأهديت بفرمان، من قبل السلطان ‏العثماني آنذاك، إلى أحد الرجال الأثرياء، وأخذت طريقها حتى وصلت إلى الولايات ‏المتحدة‏.

من الجدير هنا التذكير بمتاجر «هوبي لوبي» الأمريكية بعد ‏تفجر قضية شرائها 5548 قطعة أثرية عراقية مسروقة من وسطاء إسرائيليين‏، وجميعها خرجت من العراق بدون موافقة بغداد، ولم يجرِ أكثر من تغريم الشركة ثلاثة ملايين دولار، رغم سرقتها ما قيمته مليار دولار، وهي غرامة لا تعد كافية لحماية التراث الإنساني العراقي. ‏‏ ‏

* اختلاج النبض:

يقول من يريد تحميل المجتمع الدولي إثم سرقة حمورابي إن الجدارية بيعت في مزاد ‏بنيويورك، يبعد بضعة أمتار عن مبنى الأمم المتحدة، دونما صدور رد فعل دولي. متناسياً حقيقة احتلال إيران لبغداد بالحشد الشعبي وبمباركة دولية‏.