إن فلاناً الذي صار ابنه بسبب أولئك الذين يعتبرون أنفسهم «مناضلين» و«معارضة» وفي «ثورة» سجيناً وتأثرت حياة أسرته ولم يعد قادراً على الارتقاء بها، ذاك الفلان لا يريد من الذين تسببوا عليه وعلى ابنه وعلى أسرته إحصاءات بعدد من قال ومن كتب ومن غرد، ما يريده هو القيام بعمل ما يخرج ابنه من السجن ويعيد إليه وإلى أسرته التوازن. ماذا يفعل ذلك الفلان في تلك الإحصاءات والتغريدات الفارغة من كل معنى وفائدة؟ وماذا يفعل في التصريحات المليئة بالشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟ وماذا يفعل في تأسيس المكاتب السياسية في العراق وإيران ولبنان؟ وماذا يفعل في المهرجانات الخطابية ومعارض الصور وما تبثه الفضائيات «السوسة»؟

لو أن أولئك الذين نفذوا تلك القفزة المجنونة في الهواء في فبراير 2011 يصرفون جزءاً من وقتهم في التفكير في حياة هذه الأسر وتبين معاناتهم لتوصلوا إلى أن كل الذي يقومون به، ومثاله الأبرز تلك الإحصاءات، لا قيمة له، فالقيمة كل القيمة في العمل الذي يعيد لتلك الأسر توازنها ويعيدها إلى الحياة.

اليوم وبعد كل الذي حدث ينبغي أن يواجه أولئك «المناضلون» حقيقة أن الأسر التي تضررت بسببهم تطالبهم بالقيام بعمل ما يعيد إليها توازنها، فهم المسؤولون عن الذي حصل لها ولأبنائها وهم من عليه أن يعمل من أجلها وأجلهم، وهم من عليه أن يدرك بأن هذا لا يمكن أن يتحقق بالخطب الرنانة وبتوفير إحصاءات عن عدد الذين كتبوا والذين غردوا أو بإعادة نشر ما يصدر عن جمعيات «حقوق الإنسان» من تصريحات.

ما حدث لتلك الأسر كان بسببهم، وإخراج تلك الأسر من الذي صارت فيه مسؤوليتهم، ولأن هذا لا يمكن أن يحدث بالكلام وبإضاعة الوقت في إحصاء أعداد من قال وما قيل، ولأن تلك الأسر تتوقع منهم أن يفعلوا شيئاً من أجلها، لذا فإن عليهم أن يتركوا «الهذربان» ويعملوا شيئاً من أجل تلك الأسر ليعيدوا إليها ما فقدته، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال القيام بخطوات يعرفونها جيداً ولم يعد أمامهم سوى القيام بها وأولها الاعتذار الواضح عن الذي حصل في العام 2011 وما تلاه من أعوام، فهذا هو السبيل المفضي إلى توفير قناة اتصال بالحكم، وهو ما يمكن أن ينتج عنه ما ترغب تلك الأسر في حصوله.

الأسر التي فقدت أبناءها أو هم الآن في السجون لا تريد من الذين تسببوا عليها وعلى أبنائها كلاماً وخطباً وإحصاءات، والأكيد أنها لا تتوقع أن يسفر عن كل الذي يقوم به أولئك في الخارج حالياً مفيد، خصوصاً بعدما تمكنت الحكومة من إفشال كل المخططات وصارت في وضع مختلف عن الذي كانت فيه ووفرت الأدلة على تمكنها من كل من أراد أو يريد السوء بهذا الوطن.

اليوم لم يعد أمام أولئك سوى خيار واحد وهو أن يعملوا على إصلاح ما أفسدوه بالتواصل مع الحكم، بشروط الحكم، ليكونوا قد قدموا مفيداً لتلك الأسر التي تضررت بسببهم، وليعودوا هم أيضاً إلى حيث ينبغي أن يكونوا، يخدمون الوطن ويدافعون عنه ويضحون من أجله ويقفون في وجه كل من يريد به السوء، حيث الأكيد أنه تبين لهم الآن ما يريده الأجنبي منهم ومن هذا الوطن.

الطريق الذي اختاره أولئك ويصرون على المضي فيه لن يوصلهم إلى شيء لأنه الطريق الخطأ، أما الطريق الصواب فيعرفونه جيداً ولا يحتاجون للسير فيه سوى أن يعودوا إلى رشدهم ويفكروا في أحوال تلك الأسر التي حرموها من أبنائها وأفقدوها توازنها.