تحت عنوان «الحوار بين الأديان وتحديات القرن الحادي والعشرين»

شيخ الأزهر: هناك دعوات لفرض الانفلات في نشر ظاهرة الشذوذ والجنس الثالث



البابا فرانسيس: تعزيز الوحدة والتضامن لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين


عقد مجلس حكماء المسلمين اجتماعه السادس عشر في مسجد قصر الصخير مساء امس برئاسة قداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان وفضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، وذلك تزامنا مع الزيارة الرسمية التاريخية لقداسة بابا الفاتيكان لمملكة البحرين تلبية لدعوة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، بحضور نيافة الأساقفة المرافقين والمشاركين في ملتقى الأديان من رجال الكنيسة وعلمائها، وحمل الاجتماع عنوان "الحوار بين الأديان وتحديات القرن الحادي والعشرين".

وافتتحت الجلسة بآيات من الذكر الحكيم تلاها طفل مسلم، ثم تلا ذلك قراءة آيات من سفر التكوين قدمتها طفلة مسيحية، كما تم عرض فيلم وثائقي قصير من إنتاج مجلس حكماء المسلمين.

صور


بعدها ألقى فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين كلمة رحب فيها بقداسة البابا فرنسيس وبالوفد المرافق من كبار رجال الكنيسة الكاثوليكية وعلمائها، وقال فيها :" أرى من الضرورة أن أذكر في افتتاح لقائنا اليوم، الذي يجمع مجلس حكماء المسلمين بالقيادات الدينية في الكنيسة الكاثوليكية بمملكة البحرين حول موضوع بالغ الأهمية تحت عنوان: «الحوار بين الأديان وتحديات القرن الواحد والعشرين»، أن أؤكد على أن هذا اللقاء محطة مضيئة في مسار هذا الحوار الذي مضينا فيه معا، وأثمر ولايزال يثمر وعيا جماعيا متناميا بالتحديات التي تواجهنا، ويزرع الأمل في ولادة صحوة جديدة يستيقظ فيها الضمير العالمي ليقوم بدوره في مجابهة التحديات."

و أردف إنه لا يتسع الوقت -بطبيعة الحال- لاستعراض الظواهر المأساوية والتطورات الخطرة التي تطبق على إنسان اليوم وتأخذ بتلابيبه كائنا ما كان موقعه على هذا الكوكب، حتى إن المرء ليحار، مع تعدد الأزمات الدولية: الإنسانية منها والاقتصادية والأخلاقية، وأزمات البيئة والمناخ، من أين يبدأ وإلام ينتهي.. والكارثة الكبرى -فيما أرى- هي أن عالمنا - اليوم لم تعد له مرجعية يرجع إليها لتأخذ بيده كلما ضل الطريق واختلط عليه أمر الحق والباطل، والخير والشر، والحسن والقبح، حتى صار أشبه بمركبة ذات قوة دفع هائلة تسير بلا مقود يوجهها، ولا كوابح توقفها قبل أن تدمر نفسها وغيرها، ومما يزيد الأمر عنفا وضراوة اتساع الآثار التدميرية لهذه الأزمات، وبحيث لم تعد -كما كانت في الماضي- قاصرة على شعب بعينه أو بلد بعينها، بل أصبحت الكوارث التي تحل في عاصمة من عواصم العالم الكبرى، تنعكس آثارها السلبية على العالم كله، ولا تستطيع دولة -مهما بلغت قوتها المادية- أن تنجو بنفسها من آثارها الوخيمة وتداعياتها القاسية، وكذلك لم تعد الحروب محصورة في ساحات القتال فحسب، بعدما أصبحت المدن والقرى بمنازلها وشوارعها ورجالها ونسائها وأطفالها مساحات مكشوفة للقتل وإراقة الدماء، وتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات.

صور


وقال :"ومن المؤلم جدا أن يأتي هذا التطور المرعب ثمرة مرة لتطور تقنيات الحروب وقدراتها المتسارعة على القتل والتدمير، فإلى عهد قريب كانت أزمات الإنسان المعاصر لا تزال في دائرة السيطرة من المؤسسات الدولية الكبرى، والاتحادات الإقليمية التي أنشئت من أجل مواجهة هذه الأزمات، وهذا ما كان عليه الحال في فترة الحرب الباردة قبل أن يسيطر على العالم نظام واحد زعم أنه النظام المتفرد في الكون، وأن من حقه أن يقود العالم بفلسفاته ونظرياته ورؤاه: السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأن على العالـم واجب الخضوع لعولمة هذه الرؤى وتطبيقاتها؛ فهي الفردوس الجديد الذي افتقدته البشرية، بديلا عن الفردوس القديم الذي تداعى وهوت أركانه."

و أضاف بأنه أمر منطقي أن يأتي الفردوس الجديد بأزمات جديدة أيضا، تتفق وأنانية القائمين عليه، وهكذا واجه العالم بأسره اليوم مستجدات يحار الفكر في تكييفها ومعرفة أسبابها وغاياتها، مؤكدا أن البشرية واجهت منذ العقد الأخير من القرن الماضي أزمات عدة أبرزها وأسوؤها: الهوة السحيقة بين الأغنياء والفقراء، واتساع هذه الهوة وعدم توقفها في المنظور القريب، وما يصاحب هذا الخلل الإنساني والطبيعي من ظلم وإقصاء لأغلبية سكان الكوكب الأرضي، نتيجة غياب القيم الأخلاقية التي أرستها الأديان الإلهية وفي مقدمتها: قيمة: «العدل» الذي قامت عليه السماوات والأرض، وكذلك المساواة بين الناس، وما أدى إليه غياب هاتين القيمتين من اضطراب شديد في منظومة الاقتصاد الدولي وخلل في موازينه، وارتباك في نظم التنمية الاجتماعية، وما نتج عن ذلك من انتشار الفقر المدقع والمجاعات المهلكة، والصراعات والحروب التي يشتعل أوارها في الدول الفقيرة والنامية بين الحين والحين الآخر.

وتابع قائلا :" لعلي لا أعدو الحقيقة لو ذهبت إلى القول بأن أزمة عالمنا المعاصر هي -في المقام الأول- «أزمة أخلاق» و«أزمة إلحاد»، وأن معظم الشرور والمصائب التي يعانيها إنسان اليوم هي انبعاثات حتمية لهذه الأزمة الأم، التي دهمت الإنسان، وأطبقت على فكره وسلوكه.. ولم يكن غريبا أن نرى ظواهر هذا الانحراف في الواقع الأخلاقي والسلوكي في المجتمعات المفتوحة أولا، ثم في الدعوات التي تحاول اليوم فرض هذا الانفلات المتمثل في نشر ظاهرة الشذوذ والجنس الثالث على مجتمعات محافظة يشكل الدين والأخلاق مكونا رئيسا وأساسا في بناء حضارتها وثقافتها وتقاليدها، وكل ذلك يروج تحت لافتة «الحرية» و«حقوق الإنسان»، وفلسفة «الحداثة» و «التنوير»".

صور


و أشار فضيلته إلى أن حقيقة الأمر أنها حرية الفوضى والتدمير الخلقي، وهدم البناء الداخلي للإنسان، وحقوقه التي هي حق تدمير الفرد والنوع وتدرج في نفس الدرب ما يعرف بأزمة البيئة وتغير المناخ، والكلام فيها طويل وذو شجون، وموجز القول هو أن هذه الكارثة هي أيضا من صنع الإنسان المنخلع من قيود الدين والأخلاق، وهي أثر من آثار «الأنانية» واقتصاد السوق والفلسفة الرأسمالية وخطابها الذي يقول: «إربح أكبر قدر ممــكن، حتى لو بعت كل شيء» ؛ و إنه وإن كان الوقت لا يتسع لسرد البيان القرآني في موضوع أزمة البيئة؛ فإني سوف أكتفي هنا بتلخيص الملامح الأساسية لهذا الموضوع.

وأول ذلك أن: فالقرآن صريح في أن هذا الكون بكل عوالمه التي هي: عالم الإنسان والحيوان والنبات والجماد، يعبد الله ويسبحه على سبيل الحقيقة لا على سبيل المجاز، لا فرق في ذلك بين إنسان أو ملك، أو طير أو حيوان، أو نبات أو شجر، أو جبال أو بحار، أو ما شئت من مفردات الوجود العلوي والسفلي، وأن الإنسان لا يسمع تسبيح هذه الكائنات، وإن سمعها لا يفهمها تماما كما لا يفهم لغة الطير أو الحيوانات التي يسمعها ولا يعقل لها معنى، والدرس المستفاد من هذا الموقف القرآني هو علاقة الصداقة بين الإنسان وأشياء الكون، فالكل يعبد الله ويسبحه، والكل مغرد في سرب واحد، وانطلاقا مما سبق يحرم الإسلام على جيوش المسلمين وهم يحاربون أعداءهم أن يهدموا المباني المقامة في أرض العدو، كما يحرم قطع الأشجار والنباتات أو إغراقها بالماء بهدف تخريبها، وكذلك يحرم تفريق النحل من أعشاشه أو حرقه بالنار.. بل حرم الإسلام ذبح الحيوانات في أرض العدو، اللهم إلا لضرورة الأكل وعلى قدرها فقط.. فضلا عن تحريم قتل المرأة والعمال والزراع والرهبان والأعمى والمقطوع الذراع، وكل كائن ضعيف يتأتى منه العدوان.

وقال إن المتابع للميزانيات الهائلة المطلوبة لتجاوز أزمة المناخ، وفي ظل ما درجت عليه الدول الصناعية الكبرى من قبض ذات اليد عن التمويل الواجب أخلاقيا وإنسانيا.. يصاب برعب شديد.. وفيما أعتقد فإن ما يجب علينا، نحن علماء الأديان ورجالها، حيال هذه الأوضاع هو أن نبلغ صرختنا إلى أولي الأمر، وأولي الثراء الفاحش أن يفكروا -ولو قليلا- في مصيرهم هم قبل غيرهم، وأن ينفروا خفافا وثقالا للتصدي لهذه الكارثة، ولا علينا إن استجابوا أو جعلوا أصابعهم في آذانهم، فمنهجنا نحن الممثلين للأديان السماوية هو منهج من قيل له من فوق سبع سماوات: (إن عليك إلا البلاغ) [الشورى: 48].

و اختتم شيخ الأزهر الشريف" اسمحوا لي أن أجدد النداء مخلصا، إلى الاستمرار معا في حوارنا هذا، الإسلامي المسيحي، والديني مع البشر عامة، فبه يمكن بتوفيق من الله أن نتحول بوثيقة الأخوة الإنسانية من الإطار النظري إلى الإطار العملي، وهذا هو ما يجب علينا اليوم ومستقبلا، وبسببه نأمل أن يوفقنا -سبحانه!- إلى الاستجابة لتحديات عالمنا المشتركة.

من جانبه، دعا قداسة البابا فرانسيس، لتعزيز الوحدة والتضامن والأخوة بين الجميع حتى نتمكن من مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين وتحديات المستقبل القريب بشجاعة، لافتا إلى إن الأمل يكمن في أن نخرج معا من الأزمة الحالية بشكل أفضل وأقوى وأن نتمكن من مساعدة مجتمعاتنا على أن تصبح مجتمعات أكثر إنسانية.

وقال: "هناك العديد من التحديات التي يجب مواجهتها في القرن الحادي والعشرين، لكني أود أن أركز بإيجاز على مشكلة مشتركة بيننا نحن المسيحيين والمسلمين، والتي هي مصدر للعديد من التحديات الأخرى، ألا وهي الأزمة البيئية، إن ضعفنا البشري واعتمادنا المتبادل على بعضنا بعضا، والذي ظهر جليا في حالات النزاع وخلال جائحة فيروس كورونا المستجد، وهما سببان كافيان للوحدة والالتزام بالعمل معا من أجل الارتقاء بالإنسانية".

وأضاف: "هناك حاجة ملحة لأن يتحد المؤمنون من مختلف الأديان لتعزيز نظام اجتماعي مسؤول إيكولوجيا و قائم على القيم المشتركة إذ أن الأزمة البيئية وحماية البيئة فيما يتعلق بالناس والكوكب والازدهار والسلام والعيش الاجتماعي تعد أمورا أساسية لجميع الأديان وترتبط بعضها ببعض ارتباطا وثيقا".

واردف قائلا : "يلعب قادة المجتمعات الدينية أيضا دورا رئيسا في تشكيل الاتجاهات والآراء والسلوك بين أتباعهم من أجل الإدارة الحكيمة والاستخدام العادل للموارد الطبيعية وللتنمية المستدامة للجميع؛ علاوة على ذلك، فإن عليهم واجبا أخلاقيا، كما ورد في وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، لنشر (قيم السلام والعدالة والخير والجمال والأخوة الإنسانية والعيش المشترك)".

وحول الأزمة البيئية، أشار إلى أنها ترتبط في نهاية المطاف بأزمة القيم والفراغ الديني الذي يعم المجتمع في عصرنا، لذلك فإن الحوار بين الأديان هو الحل الأساسي.، ومن ثم فهناك حاجة لتقديم نماذج بديلة مبنية على القيم الروحية والمسارات الدينية.

وتابع:" إن الترابط والاعتماد المتبادل بين البشر والطبيعة يدعو الجميع إلى تجاوز الاختلافات - في الطبقة أو العرق أو الثقافـة - من أجل العمل معا لحماية سلامة مجتمعنا الإنساني في الوقت الحاضر ومن أجل الأجيال القادمة، ويمكن أن يساعدنا الدين في اتخاذ الخطوة الأولى نحو التغيير الجماعي".

وأضاف :" يتفق العديد من المتدينين اليوم على أن الأزمة البيئية سببها البشر في المقام الأول، وبالتالي يسعون جاهدين لتقديم نماذج بديلة للحياة بناء على مساراتهم الدينية. وهذا يعني أنه حتى نهاية أيامنا، نحن البشر مدعوون للاعتناء بالبيئـة مـن حولنا والارتقاء بالحياة.

إن القلق إزاء التدهور البيئي هو واقع مشترك بين الأديان، وتمتلك الأديان الحكمة التي يمكنهـا المساعدة في إحداث تلك التغييرات اللازمة في أنماط حياتنا للتغلب على تدهور أوضاع كوكب الأرض، وتشمل هذه التغييرات كافة المجالات البيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحياة اليومية".