أوصت بتعديل قانون «التلقيح الاصطناعي»

سلّط الباحث د. عبدالرحمن علي فارس الضوء على جدلية مهمة في قضية التلقيح الصناعي، وحدوث الطلاق بين الزوجين خلال فترة زرع الأجنة، حيث طالب بإلزام كلا الزوجين بالإفصاح عن وقوع طلاق عند حدوثه في أثناء العلاج، وقبل زرع الأجنة، ومعاقبة كل من علم منهما بالطلاق، ولم يبادر إلى الإفصاح عن انتهاء العلاقة الزوجية للمؤسسة الصحية.
جاء ذلك في أطروحة الدكتوراه التي قدّمها مؤخراً بعنوان «المسؤولية الجنائية عن مخالفة ضوابط إباحة الإنجاب عبر تقنيات التلقيح الاصطناعي»، حيث أشار إلى أن التطوّر الذي صاحب الطب الحديث مبهر ويبدو مبشّراً، إلا أن بعض ما قد ينشأ عنه يكون عكس ذلك، إذ إن استخدام التقنيات الحديثة للطب قد يصاحبه أضرار على حياة وجسم الإنسان، وهو ما يدعو إلى حماية الكائن البشري في مواجهة هذه التقنيات الحديثة.
وقال: «علينا أن نضبط هذه المستجدات بما يصون شريعتنا وقيمنا والنظام العام، وبما لا يثير مشكلات شرعية أو أخلاقية، وفرض مسؤولية جنائية على الانتهاكات التي قد تقع من الأطباء نتيجة إخلالهم بالالتزامات والضوابط المفروضة عليهم عند مزاولة عملهم، لاسيما تقنيات التلقيح الاصطناعي، وهو الأمر الذي حدا بالمشرّع البحريني لأن يحرص على تنظيم استخدام تقنيات التلقيح الاصطناعي، وذلك بسنّه القانون رقم (26) لسنة 2017 بشأن استخدام التقنيات الطبية المساعدة على التلقيح الاصطناعي والإخصاب».
وأكد فارس أن البحث في مدى قيام المسؤولية الجنائية للطبيب ليس بالأمر الهيّن، فممارسة الطب نشاط علمي يتسم بالطابع الإنساني، ويُباح فيه المساس المباشر بجسم الإنسان وحياته، الأمر الذي أدى إلى الكثير من الجدل لدى الفقه والقضاء، بخاصة وأنَّ الطبيب -في الأصل- هو شخص جنّد نفسه من أجل القيام بعمل إنساني، موضحاً أن التطوّر الاجتماعي والفني والتقني للعلوم الطبية أدى إلى تطوّر فكرة المسؤولية الجنائية عما يصدر من الطبيب من أخطاء.
أهداف الدراسة
وأوضح الباحث أن المسؤولية الطبية تدور بين أحكام القانون من جهة، والمبادئ والقواعد والأصول المتعارف عليها في الطب من جهة أخرى، مما يتطلّب عند مساءلة الطبيب، تمحيص السلوك المتهم بمخالفته لأحكام القانون، وهل كان باتّباع القواعد والأصول الطبية المُتعارف عليها من عدمه، وقال إن نطاق استخدام التقنيات الطبية المساعدة على التلقيح الاصطناعي من الموضوعات الحديثة والمهمة نظرياً وعملياً.
وهدفت الدراسة إلى بيان مفهوم التلقيح الاصطناعي باستخدام التقنيات الطبية الحديثة، وأنواعه وضوابط الإباحة التي ينبغي مراعاتها عند استخدامه، وتمييز التلقيح الاصطناعي عما يتشابه به من تقنيات الطب الحديثة، وتحديد الأمور التي جرّمها المشرّع، ويتعيّن من المؤسسة الصحية والطبيب والفني المتخصّص في علم الأجنّة تجنّبها عند إجراء التلقيح الاصطناعي، وكذلك تحديد المسؤولية الجنائية عن جرائم التلقيح الاصطناعي وإيجاد رؤية واضحة للقانون، وبما لا يترك مجالاً لانتهاك الحق في الحياة أو الكرامة الإنسانية أو اختلاط الأنساب.
التوصيات
وفي نهاية الأطروحة، استعرض الباحث أهم وأبرز النتائج التي توصّل إليها، وأوصى بإجراء تعديلات تشريعية على قانون استخدام التقنيات الطبية المساعدة على التلقيح الاصطناعي والإخصاب، باستبدال اسم القانون ليكون «التقنيات الطبية المساعدة على الإخصاب ومعالجة العُقم»، وذلك لكون التلقيح الاصطناعي يُعدّ نوعاً من أنواع التقنيات الطبية التي تهدف إلى الإخصاب، إذ إنه وبالإضافة إلى تقنية التلقيح الاصطناعي، فإنه توجد تقنية الإخصاب بطريقة الحقن المجهري، وتقنية الإخصاب بطريقة طفل الأنبوب، فهي جميعها تقنيات طبية مساعدة على الإخصاب وبالتالي الحمل، وهي تستخدم في حالات العُقم، سواء كان قد أصاب كلا الزوجين أو أحدهما، لذا فإن قصر مسمّى القانون على تقنية واحدة وإغفال سواها لا يُعدّ محكماً، بل حتى وفي حال ذكر جميع التقنيات -المذكورة في القانون- في مسمّاه فإن ذلك غير صحيح؛ لأن هذه التقنيات وردت على سبيل المثال وليس الحصر، ومن المُحتمل أن تظهر تقنية غيرها في المستقبل، وبالتالي فإن إغفال ذكرها في اسم القانون سيُعد أمراً غير محمود.
وشدّد الباحث على ضرورة إيراد نصّ يحظر على الطبيب أو الفني المتخصّص في علم الأجنّة، استخدام أية تقنية للتلقيح الاصطناعي بالمخالفة للتقنيات المذكورة في القانون طبقاً لأحكام المادة (5) منه، وإنزال عقوبة جنائية على كل من يخالف النص، وقال: على المشرّع أن ينصّ صراحة على ضرورة اتخاذ أقصى درجات الحرص والاحتياط والحذر من اختلاط النطف والبويضات والأجنّة، ومعاقبة كل من يتسبب بخطئه في التلقيح بنُطف غير الزوج أو تخصيب بويضة من غير الزوجة.
وطالب د. عبدالرحمن فارس بإلزام كلا الزوجين بالإفصاح عن وقوع طلاق عند حدوثه في أثناء العلاج، وقبل زرع الأجنّة، ومعاقبة كلّ من علم منهما بالطلاق، ولم يُبادر إلى الإفصاح عن انتهاء العلاقة الزوجية للمؤسسة الصحية، وأن يكون تنفيذ الالتزام بتبصير الزوجين في الفقرة (ب) من المادة (6) لكل حالة على حدة، وأن يكون مكتوباً وممضياً من كلا الزوجين من جهة والطبيب من جهة أخرى، وتشديد عقوبة الامتناع عن تنفيذه بأن تكون العقوبة المنصوص عليها في المادة (16).
ودعا لاستبدال عبارة «استعمال رحم الغير» بعبارة «استعارة أو استئجار الرحم» الواردة في الفقرة (و) من المادة (7) من قانون التلقيح الاصطناعي والإخصاب، وتعريف الاستنساخ في المادة الأولى من القانون.