في الثاني والعشرين من شهر أغسطس، تحل الذكرى العشرون لصدور الأمر السامي بإنشاء المجلس الأعلى للمرأة، لتعلن عن مسيرة حافلة بالعطاء والانجاز للمرأة البحرينية تقوم على حمل مسئولياتها وواجباتها الوطنية بكل كفاءة واقتدار، ولتأتي نتائجها مؤكدة على وجاهة الرؤية الثاقبة والرحبة لقائد مسيرة الوطن بالنظر إلى المكتسبات النوعية التي تجسدها مؤشرات وشواهد التنمية الوطنية الشاملة في ظل العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه الداعم الأول لمسيرة النهضة النسائية في البحرين.

ولقد كان لسيدة البحرين الأولى صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المفدى حفظها الله الدور الكبير في قيادة العمل النسائي، ورعاية نهضته الحديثة، وتثبيت أركان هذا الصرح الوطني بتوجهاته الممتدة لتشمل كل مناحي حياة المرأة البحرينية عبر اختصاصاته المتعددة التي كلف بها ليكون المرجع الوطني لدى جميع الجهات الرسمية فيما يتعلق بشؤون المرأة، والجهة المسئولة عن وضع السياسة العامة لمتابعة تقدم المرأة البحرينية، وهو ما تؤكده محطات مسيرة عمله الممتدة على مدى عقدين من الزمن.

ملكية وطنية.. فكر استراتيجي.. تنافسية وعدالة.. أثر واستدامة

ويعمل المجلس وفق منهجية مؤسسية قائمة على الشراكة المجتمعية الفاعلة مع جميع المؤسسات المعنية بشأن المرأة حيث بدأت مراحل التأسيس برصد احتياجات المرأة واستكشاف الواقع باعتماد العديد من الأدوات العلمية والآليات العملية، كاللقاءات التشاورية، واجتماعات العمل الدورية، والزيارات الميدانية، والدراسات والبحوث، وهو ما ساهم في تحديد أولويات العمل وإعلان " الخطة الوطنية لاستراتيجية نهوض المرأة البحرينية" التي حظيت بمباركة سامية من حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى كأول خطة نوعية معنية بالمرأة تعتمد من رأس الدولة في الوطن العربي.

وتنفيذاً لاختصاصاته، عمل المجلس على ترجمة المبادئ الواردة في ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين فيما يتعلق بالمرأة ووضع الآليات المناسبة لذلك عبر تفعيل الشراكات مع الجهات الحكومية والمؤسسات الرسمية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وتحقيق الإدماج الكامل للخطة الوطنية في برنامج العمل الحكومي، بالعمل على تصنيفها كوثيقة تحمل صفة "الملكية الوطنية" تعتمد على منهجيات الفكر الاستراتيجي لاستدامة تقدم المرأة من خلال قياس الأثر المتحقق كمحصلة نهائية على التنمية الوطنية من خلال مشاركة المرأة في عملياتها ببيان جدوى وفائدة هذه الشراكة التي لا بد من تعظيمها.

وتعمل الخطة على تحقيق ما يلزم من موائمات ضرورية على المستوى الوطني والدولي على حد سواء بربط مؤشراتها برؤية البحرين الاقتصادية 2030 وأهداف التنمية المستدامة 2030، إذ تسعى الخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية إلى ضمان تحقيق الاستقرار الأسري في إطار الترابط العائلي، وتمكينها من متطلبات القدرة على المساهمة التنافسية في مسار التنمية، القائم على مبدأ تكافؤ الفرص، وإدماج احتياجات المرأة في التنمية، بما يحقق لها فرص التميز في الأداء والارتقاء بخياراتها نحو جودة حياتها وتعلمها مدى الحياة، من خلال التكامل مع الشركاء والحلفاء في العمل المؤسسي لتصبح البحرين مركزاً اقليمياً متخصصاً في قضايا المرأة.

استقرار أسري.. وقاية وتوفيق وحماية اجتماعية..

يأتي أول مجالات الخطة الوطنية نظرا لما يمثله من أولوية هامة لتحقيق استقرار أسري شامل عبر توفير كافة الخيارات لتأمين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للمرأة وتعزيز سلامتها الصحية والنفسية، حيث سعى المجلس بالتعاون مع كافة الشركاء والحلفاء إلى تعزيز المنظومة التشريعية والقانونية الكفيلة بذلك أولا، وتطوير خدمات الارشاد والتوفيق الأسري والبنى التحتية الداعمة لتوفير الوقاية والحماية النفسية والاجتماعية بما يحفظ خصوصية المرأة والأبناء في اطار تقنين أحكام الأسرة، وتطوير القرارات واللوائح التنفيذية على هذا الصعيد، مع الالتزام بتنفيذ البرامج التوعوية المستمرة ومجال الثقافة القانونية والأسرية.

ويعد صدور الأمر الملكي السامي بتخصيص مبنى مستقل لمحاكم القضاء الشرعي "محاكم الأسرة"، وإصدار قانون الأسرة والقرارات التنفيذية له من أهم وأكبر منجزات مملكة البحرين على هذا الصعيد، إلى جانب تطوير خدمات صندوق النفقة، والرؤية، والارشاد والتوعية الأسرية عبر تفعيل دور مكتب التوفيق الأسري بإلزامية إحالة الدعاوى الأسرية إليه، وافتتاح أفرع مكاتب التوفيق الأسري بالمراكز الاجتماعية، وكذلك التطوير المستمر لمنظومة الاستشارات التي يقدمها مركز دعم المرأة التابع للمجلس الأعلى للمرأة لتلبية احتياجات المرأة البحرينية وأسرتها، الأمر الذي ساهم في اعتماد وسائل الصلح والتسوية الودية بين أطراف العلاقة الزوجية وتجنب الخصومة القضائية.

أما على صعيد الوقاية والحماية الاجتماعية، فقد أطلق المجلس الأعلى للمرأة "الاستراتيجية الوطنية لحماية المرأة من العنف الاسري" كآلية وطنية وقائية لمتابعة تنفيذ قانون الحماية من العنف الأسري، لما تضمنته من محاور ومبادرات نوعية وأطر تنظيمية لتفعيل الأنشطة كالوقاية الاستباقية والتوعية والخدمات المتاحة للحماية من العنف الواقع في محيط الأسرة، ومتابعة الجهات المعنية للقيام بدورها والمحافظة على خصوصية المجتمع البحريني، ومن أبرزها "الإطار الموحد لخدمات الارشاد والتوعية الأسرية"، واستحداث مكاتب حماية الأسرة في جميع مديريات الشرطة بجميع المحافظات، وتفعيل برامج التوعية والتثقيف. إلى جانب اعتماد قاعدة بيانات واحصائيات وطنية موحدة للعنف الاسري "تكاتف".

وقد ساهمت تلك الجهود في تحقيق أثر ملموس على صعيد الاستقرار الأسري حيث تشير الإحصائيات إلى ارتفاع في عدد الدعاوى المنظورة أمام المحاكم الشرعية بنسبة 17% خلال الفترة (2012-2019) وانخفاض متوسط عمر الدعوى المحسومة في المحاكم الشرعية إلى أقل من 2.6 أشهر لــ87% من القضايا في عام 2020 وارتفاع في معدلات حسم الدعاوى في المحاكم الشرعية من 64% خلال الفترة (2012-2013) إلى 100% في عام 2020، وعلى صعيد الاستفادة من خدمات التوفيق الأسري فقد ارتفعت نسبة المستفيدين 44% خلال الفترة من (2016-2020).

مشاركة المرأة في الاقتصاد الوطني .. ورفع الناتج المحلي الإجمالي (GDP)

وللمرأة البحرينية حضور لافت على صعيد المشاركة في الاقتصاد الوطني، حيث تشغل نسبة مؤثرة في تركيبة القوى العاملة الوطنية، الأمر الذي ساهم في زيادة حجم مشاركة المرأة في سوق العمل، فقد ارتفعت نسبتها في القطاع الحكومي من إجمالي البحرينيين بمقدار (17%) لتصل الى حوالي (55%)، وفي القطاع الخاص بمقدار (11%) لتصل الى حوالي (35%) وذلك خلال الفترة (2001-2020).

وللمجلس الأعلى للمرأة بالتعاون مع الشركاء في تنفيذ الخطة الوطنية، دور متواصل في تعزيز هذا الحضور، بعقد الشراكات اللازمة لاستكمال منظومة العمل الاقتصادي لتوفير كافة الخدمات التي تستلزمها مبادرات المشاركة الاقتصادية سواء على صعيد إصدار أو تطوير المنظومة القانونية الداعمة للمرأة أو من خلال اطلاق المبادرات والمشاريع التشجيعية والمحفزة للدخول في سوق العمل، بتوفير الحاضنات الاقتصادية التي تقدم كافة الخدمات الإدارية والاستشارية والتدريبية والفنية، وإتاحة الخيارات المناسبة لخدمات التمويل الميسر التي تحتاج إليها المرأة للدخول في مجال العمل أو ريادة الأعمال.

كما ارتفعت نسبة صاحبات الأعمال من إجمالي أصحاب الأعمال من 15% عام 2001 إلى 47% عام 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 32% مما يدل على سهولة الاجراءات للانخراط في مجال ريادة الأعمال مع وجود العديد من البرامج والنشاطات المنظومة الوطنية لنمو وتدرج رائدة العمل، حيث حققت أثر في ارتفاع نسبة مشاركتها بريادة الأعمال بمقدار (6%) لتصل الى حوالي (43%) من إجمالي البحرينيين خلال الفترة (2010-2020)، وارتفاع المالكات لسجلات افتراضية بنسبة (12%) خلال الفترة (2016-2020) لتصل إلى (50%).

ويعد مركز تنمية قدرات المرأة البحرينية "ريادات" كمركز تجاري يقدم خدمة الاحتضان والخدمات الإدارية والتدريب والاستشارات النوعية ملتقى لاستقطاب المشاريع المبتكرة والأفكار الإبداعية لرائدات الأعمال، فقد ساهم في فتح آفاق واعدة لرائدات الأعمال وتوسع مشاريعهن في السوق المحلية والدولية، حيث بلغ عدد المستفيدات من خدمات الاحتضان بمركز "ريادات" 111 مستفيدة خلال الفترة (2013-2021)، كما بلغت نسبة تخرج المشاريع المحتضنة والانتقال لسوق العمل 75%، أضف الى ذلك المبادرات الوطنية الأخرى لدعم المشروعات المملوكة للمرأة نحو التصدير وتعزيز مشاركتها في الاقتصاد العالمي، واتاحة الفرص لدعم وصولها الى السوق العالمية من خلال توفير منصات دائمة لعرض المنتجات المبتكرة، حيث شكلت المرأة البحرينية نسبة (39%) من المستفيدين من خدمات برنامج "صادرات البحرين"، ووصلت منتجاتها وخدماتها إلى (51) دولة حول العالم، وبلغ عدد المستفيدات من فرصة المشاركة في "سوق القيصرية" في مطار البحرين الدولي الجديد (14) مستفيدة خلال عام (2021).

كما أن خدمات التمويل الميسر والمحافظ المالية التي بادر المجلس باقتراح تأسيسها قد ساهمت في دعم وتوسع مشاريع المرأة البحرينية، حيث بلغ عدد المستفيدات من محفظة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة لدعم النشاط التجاري للمرأة (لدعم المشاريع المتناهية الصغر) ما يقارب 6000 مستفيدة خلال الفترة (2010-2021)، وبلغ عدد المستفيدات من محفظة "ريادات" لتمويل النشاط التجاري للمرأة (لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة) ما يقارب 270 مستفيدة خلال الفترة (2016-2021).

تكافؤ الفرص .. والتوازن بين الجنسين

وتنفيذاً لاختصاصات المجلس الأعلى للمرأة بتمكين المرأة من أداء دورها في الحياة العامة وإدماج جهودها في برامج التنمية الشاملة، أخذ المجلس على عاتقه ترجمة النصوص الدستورية الى واقع، لاسيما وأن المادة الخامسة الفقرة (ب) التي تنص على "تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع، ومساواتها بالرجال في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية".

تنافسية المرأة البحرينية في الحياة السياسية والشأن العام

ويعد برنامج المشاركة السياسية للمرأة من أهم البرامج التي اعتمدها المجلس لدعم مشاركة المرأة في الشأن العام منذ بداية الإنشاء بهدف إعداد كوادر قادرة على المنافسة في الانتخابات (النيابية والبلدية)، والوصول إلى مواقع صنع القرار من خلال بناء القدرات وتنمية المهارات الانتخابية. ومساندة دور مؤسسات المجتمع المدني المعنية (الجمعيات السياسية والمهنية والنسائية والشبابية والأندية الثقافية) لتقوم بدورها التوعوي والتدريبي، وكجماعات ضغط فاعلة تدعم حضور مشاركة المرأة في الحياة السياسية والشأن العام. وقد أظهرت نتائج تنفيذ برنامج المشاركة السياسية للمرأة تحقيق نتائج نوعية، ففي عام 2002 شاركت في الانتخابات النيابية 8 سيدات مقابل 183رجل ولكن لم يحالفهن الحظ في الفوز بالرغم من أن نسبة مشاركة المرأة في التصويت آنذاك بلغت 47.7% وقد كانت هذه النسبة في ذلك الوقت من أعلى النسب في المنطقة العربية. وارتفعت نسبة مشاركة المرأة في الانتخابات النيابية في الفصل التشريعي الخامس عام 2018 لتصل الى نسبة 14% بمشاركة 40 امرأة و252 رجل ، حيث فازت 6 نساء لتبلغ نسبة تمثيل المرأة في مجلس النواب 15%. وفي الانتخابات البلدية عام 2002، بلغت نسبة مشاركة المرأة 10.4% مقابل 89.6% للرجل حيث رشحت 33 امرأة نفسها في هذه الانتخابات مقابل 284 رجل و لم تتمكن من الفوز. وفي عام 2000 ارتفع تمثيل المرأة في في مجلس الشورى من 4 مقاعد بنسبة 10% من مجموع أعضاء المجلس إلى 9 مقاعد بنسبة 23% عام 2018 ، وبنسبة ارتفاع بلغت 8%.

وأوضحت النتائج ارتفاع نسبة تواجد المرأة في المناصب القيادية والنوعية في مختلف القطاعات من (18%) إلى (25%) خلال الفترة (2012-2020)، وبشكل خاص ارتفعت نسبة النساء في الوظائف التنفيذية في القطاع الحكومي من (13%) إلى (46%) خلال الفترة (2001-2020)، وارتفعت نسبة الموظفات في الوظائف التخصصية في القطاع الحكومي من (55%) إلى (62%) خلال الفترة (2009-2020)، أما عن نسبة البحرينيات العاملات في الوظائف الإدارية والإشرافية في القطاع الخاص فقد ارتفعت من (23%) إلى (34%) خلال الفترة (2007-2020).

قياس أثر.. جائزة تقدم المرأة

ومن أهم المبادرات الداعمة لتنافسية المرأة، إطلاق جائزة باسم صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة لتقدم المرأة البحرينية، واستطاعت الجائزة تحقيق أثر بالغ في مجال التوازن بين الجنسين وإدماج احتياجات المرأة والذي نتج عنه عدة ممارسات متميزة للمؤسسات الحكومية والخاصة والأهلية في تبني منهجيات إدماج احتياجات المرأة في التنمية، حيث تم رصد ارتفاع معدل مشاركة مؤسسات القطاع العام بنسبة تقدر ب 120% وارتفاع معدل مشاركات مؤسسات القطاع الخاص بزيادة تبلغ 300%. بالإضافة إلى إقبال ملحوظ للمشاركة في الجائزة من قبل الفئات المستحدثة للدورة الأخيرة، حيث تقدمت (51) مؤسسة أهلية، و(73) مشارك ضمن فئة الأفراد، وبإجمالي 205 مشاركة ضمن فئاتها الأربع. كما تمكنت الجائزة من رصد ارتفاع في عدد السياسات والممارسات النوعية التي تصب في اتجاه العناية ببعد الاستقرار الأسري وربطه بزيادة الفعالية والإنتاجية في بيئة العمل، والتعامل بشكل منظم مع جانب التوازن بين الجنسين ضمن القوى العاملة وإدماج احتياجات المرأة في خدمات تلك المؤسسات، ومنها تطبيق 44% من مؤسسات القطاع الخاص المشاركة في الجائزة (التي يفوق عدد موظفيها الــ 100 موظف) لسياسات وأنظمة العمل المرن وعن بعد للموظفين "من الجنسين" ، ومبادرة 89% من مؤسسات القطاع الخاص المشاركة في الجائزة بإدراج كافة الخدمات الصحية والعلاجية للموظفة وزوجة الموظف في برامج التأمين الصحي التي تقدمها لعامليها.

النموذج الوطني للتوازن بين الجنسين

وعمل المجلس على متابعة تطبيـق السياسـات وترسـيخ الممارسـات والخيـارات وإتاحـة الفـرص المتكافئـة لتحقيـق المساواة في بعض الأمور التنموية بشكل مباشر والتـوازن بيـن الجنسـين فـي التنميـة الوطنيـة والشئون الإجتماعية، من خلال تفعيل المبادرات والخدمات المساندة، ويعد النموذج الوطني للتوازن بين الجنسين من المبادرات الرائدة على هذا الصعيد، ومنذ صدور الأمر الملكي السامي في عام 2011، بإنشاء اللجنة الوطنية لمتابعة تنفيذ النموذج الوطني لإدماج احتياجات المرأة، حيث بدأ العمل على نشر ثقافة الإدماج وتبني منهجيات علمية تتضمن سياسات وإجراءات لتطبيقات تكافؤ الفرص، واعتماد الموازنات المستجيبة لاحتياجات المرأة، وبالتالي وتدريجياً تحقيق الإدماج الحقيقي لاحتياجات المرأة في مسار العمل الحكومي.

ولمملكة البحرين تجربة متميزة على صعيد تطبيق سياسات تكافؤ الفرص، وذلك بصدور عدد من القرارات الداعمة كقرار مجلس الخدمة المدنية في العام 2014، بإلزامية انشاء لجان تكافؤ الفرص في الوزارات والمؤسسات الرسمية وإصدار التعاميم والتوجيهات اللازمة لتفعيل اختصاصات هذه اللجان، وكذلك تعاميم وزارة المالية والاقتصاد الوطني السنوية بشأن الاعتمادات واللوائح والتعليمات الخاصة بتنفيذ الميزانية العامة للدولة على صعيد تطبيق الموازنات المستجيبة لاحتياجات المرأة، فقد بلغ عدد لجان تكافؤ الفرص (50) لجنة بالعام 2021، كما بادرت مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني بشكل تطوعي بتبني منهجيات التوازن بين الجنسين وإدماج احتياجات المرأة، حيث ارتفع عدد هذه اللجان في القطاع الخاص من لجنتين عام 2014 إلى (20) لجنة عام 2021، كما ارتفع عدد لجان إدماج احتياجات المرأة في مؤسسات المجتمع المدني لتصل إلى (17) لجنة في العام 2021.

التقرير الوطني للتوازن بين الجنسين .. أداة تقييم وقياس

يصدر من مملكة البحرين تقرير وطني للتوازن بين الجنسين يتم إعداده ونشره كل سنتين بالشراكة بين حكومة مملكة البحرين والمجلس الأعلى للمرأة ويتم الاستناد له كأحد أبرز آليات نظام حوكمة تطبيقات تكافؤ الفرص ومتابعة قياس الأثر المتحقق على صعيد سياسات وبرامج التوازن بين الجنسين على المستوى الوطني. ويرصد التقرير مجموعة من المؤشرات التي تقيس مشاركة المرأة البحرينية وتنافسيتها في مؤسسات القطاع العام، وتشمل مجموعة من المؤشرات النوعية للمرأة في مجال في الاقتصاد وصنع القرار والصحة والمجتمع المدني والتعليم.

وتنفيذاً لمنهجية قياس الأثر التي اعتمدها المجلس لتقييم ومتابعة برامج ومبادرات الخطة الوطنية، تم إطلاق المرصد الوطني لمؤشرات التوازن بين الجنسين، الذي يهدف إلى تأسيس وتفعيل منظومة بيانية وإحصائية موحدة لتعزيز اقتصاد المعرفة ومصادر التعلم والنشر، ولقياس معدلات التنافسية المحلية والإقليمية والدولية، بما يساعد على سد الفجوات، واستثمار الشراكات والتحالفات لاستدامة عمليات تقدم المرأة البحرينية وتحقيق أقصى درجات الفعالية لما يتم وضعه من سياسات وبرامج. ويتم من خلال المرصد تسكين ورصد وتتبع المؤشرات في كافة المجالات التنموية مصنفة بحسب الجنس، بالإضافة إلى التغذية الإلكترونية لكافة الجهات لتكون هذه المنصة المعرفية المصدر الرسمي لكافة المؤشرات ذات العلاقة بالمرأة.

التعلم مدى الحياة

وتركز الخطة الوطنية في هذا المجال على فرص التعلم مدى الحياة للمرأة، من خلال العمل على صناعــة ممارســات تضمــن التطوير الذاتي والمهني ورفع قدرة المرأة على الاســتمرار فــي التعليم والتعلم في كافة مراحلها العمرية لبناء أجيال قادرة على الابتكار وصناعة، وتنمية المعرفة الذاتية للمرأة بما يعزز قدرتها على توسيع خياراتها وتطبيق أفضل الممارسات، وتعزيز تنافسية المرأة في نقل وإدارة المعرفة وصناعة القيمة المضافة، وذلك بهدف استدامة مشاركة المرأة في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال تأسيس آليات نقل وادارة المعرفة.

ولعل جهود المجلس بالتعاون مع شركاؤه في تنفيذ المبادرات والبرامج التعليمية التي تهدف إلى تطوير الكفاءة المؤسسية لمدارس التعليم الفني والمهني باستخدام تخصصات جديدة ، وتطوير القدرات المهنية للطلبة ومتابعة تنفيذ وتطوير برنامج الحقيبة التعليمية المدرسية في المرحلة الاعدادية بالمدارس الحكومية والخاصة لتعزيز الوعي حول المفاهيم الداعمة لدور المرأة، بالإضافة الى برامج الارشاد الوطني للمرأة البحرينية لمساندة مبادرات التوازن المالي ولتشجيع المرأة البحرينية على الإبداع والتميز والمشاركة في مجال ريادة الأعمال والقطاع الخاص بشكل فاعل ومؤثر، وتطوير منظومة التعليم بطرح أساليب جديده والتحول في عملية التعليم عن بعد في ظل جائحة كورونا.

المبادرة الوطنية للتوازن بين الجنسين في علوم المستقبل

كما أطلق المجلس الأعلى للمرأة "المبادرة الوطنية للتوازن بين الجنسين في علوم المستقبل" كأداة تنظيمية تعمل على تسريع تحقيق التوازن بين الجنسين في مجالات علوم المستقبل بجهود تشاركية بين المؤسسات الحكومية ومختلف القطاعات ذات العلاقة ومشاركة المواطنين في وضع مقترحات تنفيذها، وساهم الاهتمام الملحوظ بتنمية المهارات في مجالات علوم المستقبل من قبل الشركاء في عدد من النتائج من أهمها تجاوز أداء الطالبات في الصف الثامن في الرياضيات والعلوم للمتوسط العالمي حيث أحرزت طالبات الصف الثامن في العلوم نتيجة بلغت 512 متجاوزة المتوسط العالمي لأداء الطالبات في العلوم البالغ 459، وكذلك أحرزت الطالبات في الصف الثامن في الرياضيات نتيجة بلغت 492 متجاوزة المتوسط العالمي لأداء الطالبات في الرياضيات البالغ 491 (تقرير TIMSS للعام 2019) ، كما ارتفعت نسب المستفيدات من البعثات والمنح الدراسية في مرحلة التعليم ما بعد الثانوي لتصل إلى (68%) خلال عام 2020 وارتفاع نسبة خريجات مؤسسات التعليم العالي لتصل إلى 62% عام 2020 وبنسبة ارتفاع تبلغ 4%خلال الفترة (2012-2020).

جودة حياة المرأة وتعزيز أنماط أفضل الممارسات الصحية

ويتابع المجلس الأعلى للمرأة ضمن مجال "جودة الحياة" كل ما يلزم للارتقاء بجوانب حياة المرأة وأسرتها في المجالات الصحية، والنفسية، والاجتماعية، والبيئية بما ينعكس إيجاباً على الأسرة والعيش بأمان وتعزيز أنماط أفضل الممارسات من خلال توفر الخيارات المناسبة وتمكين المرأة من التمتع بحياة كريمة وآمنة في جميع مراحلها العمرية، وتعزيز السلامة الصحية والنفسية من خلال متطلبات تحسين جودة حياة المرأة. وقد جاءت الجهود الوطنية لتعزيز صحة المرأة لمواكبة التقدم الذي تحرزه مملكة البحرين على صعيد الخدمات الصحية والطبية وفقاً لأرقى المعايير العالمية لمختلف شرائح السكان، مع التركيز على خدمات الرعاية الصحية المقدمة للمرأة في مختلف مراحل حياتها، مثل فحص الدم والكشف المبكر عن سرطان الثدي، ومتابعة علاج الأمراض المزمنة والتطعيمات ذات العلاقة.

ومن خلال كافة الجهود الوطنية لاستدامة مبادرات الصحة ورفع الوعي بالأنماط والممارسات الصحية الوقائية، فقد ارتفعت نسبة اللواتي يتمتعن بأساسيات ومتطلبات السلامة الصحية والنفسية لتصبح (60%) في عام 2019. فيما بلغ متوسط جودة الحياة للإناث (Overall Quality of Life) بحسب مقياس مستوى نوعية الحياة (82%) في عام 2018، بحسب نتائج المسح الصحي الوطني 2018. بالإضافة إلى ذلك، ارتفع متوسط العمر المتوقع للمرأة عند الميلاد من 76سنة الى 79سنة خلال الفترة (2001-2020)، مما يدل على تطور مستوى الخدمات الصحية في المملكة وسهولة الوصول إليها، وارتفاع المستوى المعيشي والوعي الصحي للمجتمع مما انعكس إيجابًا على جودة حياتهم.

وكانت المساهمة الفاعلة للمجلس الأعلى للمرأة في الجهود الوطنية للتصدي لجائحة (كوفيد-19)، برهانا آخر على الدور الهام الذي يقوم به المجلس على هذا الصعيد، حيث أطلق مجموعة من المبادرات النوعية للتصدي للجائحة من بينها برنامج "مستشارك عن بعد" لمواصلة تقديم جميع استشاراته الموجهة للمرأة وتلبية الاحتياجات الطارئة في ظل الجائحة. تحت مظلة حملة "متكاتفين.. لأجل سلامة البحرين" والتي جاءت بهدف دعم ومساندة المرأة البحرينية وخصوصاً المعيلة لأسرتها، ومن بينها أسر الكوادر الطبية والتمريضية والعاملة في الصفوف الأمامية.

بيت خبرة ومركزاً إقليمياً لقضايا المرأة

وتنفيذاً لاختصاصاته بتمثيل المرأة البحرينية في المحافل والمنظمات الوطنية والعربية والدولية المعنية بشئون المرأة والدخول معها في اتفاقيات تعاون وبرامج مشتركة، ومتابعة تطبيق القوانين واللوائح والقرارات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالمرأة للتأكد من تنفيذها بما يضمن عدم التمييز ضد المرأة، عمل المجلس على استثمار الشراكات والتحالفات الفاعلة على المستوى الوطني، والارتقاء بالخبرات الوطنية ومنظومة التبادل المعرفي لتحقيق التنافسية محلياً واقليمياً ودولياً. وقد ساهم في بناء منظومة معرفية وطنية تعزز اقتصاد المعرفة وتنوع سياسات ومنهجيات التوازن بين الجنسين وتتابع وتقيم معدلات التنافسية المحلية والإقليمية للمرأة.

ونظراً للجهود اللافتة التي يبذلها المجلس الأعلى للمرأة على صعيد متابعة التزامات مملكة البحرين على الصعيد الدولي ، ومن أهمها، اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة ( السيداو) ، ومنهاج عمل بيجين، وأهداف التنمية المستدامة 2030، التي تم استيعاب مبادراتها ومؤشراتها ضمنياً مع مبادرات ومؤشرات الخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية، فقد حققت مملكة البحرين قصة نجاح لمبادرات ومشاريع تمكين وتقدم المرأة لسد الفجوات وتحقيق التوازن بين الجنسين وكانت محل تقدير لدى الكثير من الدول العربية والعالمية التي أبدت رغبتها في تفعيل اتفاقات ومذكرات التعاون لتبادل الخبرات والتجارب الناجحة على صعيد تقدم المرأة، ومن ابرزها

وتفخر مملكة البحرين اليوم بأن تكون اليوم مركز خبرة دولي في شأن المرأة باعتبارها من أوائل الدول التي استطاعت ان تنقل تجربتها الوطنية على صعيد تقدم المرأة البحرين إلى العالمية من خلال تبني هيئة الأمم المتحدة للمرأة جائزة الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة العالمية لتمكين المرأة التي تم اطلاقها في العام 2017، واطلاق نسختها الثانية في يوليو 2021، باعتبارها رسالة للعالم، تنطلق من البحرين، حول أهمية دور المرأة في التنمية ، وإتاحة فرص التقدير الدولي لإنجازات المؤسسات والأفراد في مجال تحقيق الأثر المستدام في تمكين المرأة من أداء أدوارها الإنسانية والتنموية وتعتبر هذه الخطوة بمثابة إشادة عالمية بمدى تقدم مملكة البحرين في جهودها الوطنية لتمكين المرأة وتحقيق التوازن بين الجنسين.

أما على صعيد أداء مملكة البحرين في بعض التقارير الدولية ذات العلاقة، فقد حققت البحرين المرتبة 137 في التقرير السنوي للفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) لعام 2021 مع استقرار نسبة سد الفجوة إلى 63%. كما تشير نتائج ذات التقرير إلى أن نسبة سد الفجوة في مجال المشاركة الاقتصادية والفرص قد بلغ حوالي 51.8%، مما جعلها تحتل المركز الأول خليجياً في هذا المجال وعلى مستوى المشاركة السياسية تشكل نسبة سد الفجوة حوالي 7%، وفي الصحة 95.9%. أما في مجال التعليم فقد بلغت النسبة 98.5% محققة البحرين المرتبة الأولى عالمياً في سد الفجوة في كل من الالتحاق بالتعليم الثانوي والتعليم العالي.

ومن النتائج الإيجابية في مجال بيت الخبرة ما أوضحه التقرير الوطني لقياس التوازن بين الجنسين في مملكة البحرين من ارتفاع في مؤشر التوازن بين الجنسين في مملكة البحرين من (0.65) للفترة (2017 - 2018) إلى (0.69) للفترة (2019-2020)، كما ارتفع مؤشر التوازن بين الجنسين في المجالات النوعية من (0.70) للفترة (2017 - 2018) الى (0.73) للفترة (2019-2020)، بينما ارتفعت مؤشرات الأداء المؤسسي من (0.59) للفترة (2017 – 2018) إلى (0.65) للفترة (2019-2020).

وختاماً، تشكل هذه المكتسبات التي تحققت مقتطفات موجزة وبارزة ضمن مسيرة عمل المجلس الأعلى للمرأة على مدى عقدين، وتأتي المناسبة التي تحمل الكثير من الأهمية والدلالة بمثابة المحطة لانطلاقة متجددة لمرحلة قادمة سيركز المجلس من خلالها على التحولات العالمية والأولويات الوطنية وبالبناء على خبراته النوعية في مجال اختصاصه، ليكون كما العهد به، صرحاً شامخاً وعامراً بعطاء المرأة البحرينية التي يشهد لها تاريخها وحاضرها بأنها الشريك الجدير في بناء الوطن وتشكيل نهضته المباركة القائمة على عدالة إتاحة الفرص بين المرأة والرجل، على حد سواء.