كان الأوروبيون في الأعوام الماضية يتطلعون لتغيير عاداتهم الغذائية بهدف سلامة البيئة والحصول على طعام أكثر استدامة، وكانت استطلاعات الرأي تخرج علينا بين الحين والآخر لتظهر مدى حماسة واستعداد المستطلعة أراؤهم للتضحية بنظامهم الغذائي لحماية البيئة رغم ما سيحمله هذا التغيير من تحديات مادية.

وحسب دراسة أجراها المكتب الأوروبي لاتحادات المستهلكين منذ عامين، وافق واحد من كل ثلاثة مستهلكين على تغيير عاداتهم الاستهلاكية متحملين التحديات المادية من أجل سلامة المناخ.



والشريحة الرافضة لتغيير عاداتها الغذائية التي مثلت الغالبية في ذلك الوقت، وجدت نفسها مرغمة اليوم على الانصياع لعادات غذائية جديدة ولكن ليس من أجل البيئة، وإنما تحت وطأة تحديات اقتصادية فرضتها الحرب الروسية في أوكرانيا وأزمة الطاقة؛ ما أثقل جيوبها وأجبرها على تقليص قوائم الإنفاق الغذائي.

وخفض نحو ثلاثة أرباع المستهلكين الأوروبيين من إنفاقهم على متطلبات الحياة اليومية، بما في ذلك الطعام، من أجل تغطية نفقاتهم، بحسب دراسة أوروبية نشرتها وكالة "بلومبيرغ" للأنباء.

الحرب حاضرة على موائدنا

وقال المواطن الهنغاري فيكتور كاراسوني (29 عامًا) لـ "إرم نيوز"، إن "الاستغناء عن اللحوم بات صفة سائدة لدى معظم العوائل الهنغارية، ورغم أن الحكومة دعمت أسعار بعض السلع، مثل: الدجاج، وبعض أصناف الحليب، والزيت، لكن العائلات في هنغاريا غيرت من نظامها الغذائي".

وأضاف كاراسوني الذي يعيش في العاصمة بودابست "قبل الحرب كنت أرتاد النادي الرياضي وأتبع نظامًا غذائيًّا صارمًا للحفاظ على بنيتي الرياضية، أما اليوم فلم أعد أجد الوقت الكافي بسبب انشغالي بالعمل الإضافي، كما إنني لم أعد قادرًا على اتباع نظام غذائي رياضي مثل السابق".

ويدرس كاراسوني في جامعة بيتش ويعمل في شركة بناء، وبعد الحرب زاد من ساعات عمله ليتمكن من تأمين نفقات مصروفه الشهري.

وكشف تقرير شركة "آي آر إيه" لتحليل البيانات والأبحاث أن 71% من المستهلكين في ستة أسواق رئيسة في أوروبا، أجروا بالفعل تغييرات كبيرة على عادات تسوقهم وسط محاولتهم التأقلم مع معدلات التضخم.

وتابع التقرير أن 58% من المستهلكين انخفضت مدخراتهم الشخصية بنسبة 35% إلى جانب حصولهم على قروض لسداد الفواتير الخاصة بهم.

انخفاض الطلب على الكماليات

وكشفت دراسة حول سلوك المتسوقين الفرنسيين، قامت بها شركة (In-Store Media)، انخفاض الميزانية المخصصة لشراء الحاجيات الكمالية بشكل واضح، فيما قرر بحسب الدراسة 87% من المتسوقين في المتاجرالتوفيق بين إمكانياتهم ورغباتهم، كما يبدي نحو 30% فقط من الفرنسيين استعدادهم لدفع المزيد مقابل المنتجات الصديقة للبيئة، وهي نسبة قليلة مقارنة بما قبل الحرب.

بدوره، قال الفرنسي علاء شباني (34 عامًا) لـ "إرم نيوز"، إن "القوة الشرائية والاستعداد للانفاق يتراجع نتيجة ارتفاع أسعار بعض السلع، واللجوء إلى الادخار، مع احتمالية حدوث المزيد من الارتفاعات الحادة في الأسعار وتذبذب أسعار الطاقة".

وأضاف شباني وهو يعمل خبازًا في مدينة بوردو الفرنسية، أن "فئات واسعة من الفرنسيين تعيش اليوم سلوكيات شرائية لم تشهدها منذ حقبتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي".

وأردف الشاب المتحدر من أصول عربية "اعتدنا في عطلة العيد أن نذهب والعائلة إلى الجبال للتزلج ونقضي رأس السنة في مونبلييه حيث تجتمع العائلة، لكن هذا العام لن نحيي هذه الطقوس بسبب الظروف الاقتصادية.

البريطانيون يتخلون عن حيواناتهم الأليفة

وفي بريطانيا، دفعت الظروف الاقتصادية السكان للتخلص من حيواناتهم الأليفة بغرض تخفيض نفقات الإنفاق الغذائي داخل المنزل.

وبحسب مسح أجري العام الماضي، فإن أكثر من نصف الأسر البريطانية تربي حيوانًا أليفًا في منزلها، لكن في الأشهر الأخيرة قام عدد كبير من الناس بتقديم حيواناتهم الأليفة للجمعيات الخيرية على أنها بلا مأوى، وذلك للتخلص من أعبائها المادية، بحسب جمعية الرفق بالحيوان (RSPCA) في بريطانيا.

وفي هذا السياق، قالت البريطانية باتريسا ميلتن (46 عامًا) لـ "إرم نيوز": "لم تعد لدي القدرة على العناية بكلبي الذي اعتنيت به لمدة 5 أعوام، بسبب ارتفاع الأسعار بشكل عام، وأسعار غذاء الحيوانات والرعاية البيطرية، وتكاليف التأمين الصحي بشكل خاص".

وأضافت ميلتن وهي مدرّسة في روضة أطفال، أن "الحيوان الأليف في نهاية حياته يحتاج إلى قدر كبير من العناية البيطرية وإلى غذاء خاص، وهذا ما لم أعد أستطيع تحمل نفقاته، لذلك أودعت كلبي لدى جمعية معنية بالحيوانات الشاردة".

وتابعت ميلتن "كانت تكلفة العناية بكلبي نحو 250 جنيهًا أسترلينيًّا في الشهر، أما اليوم فيحتاج _تقريبًا_ إلى ما يقارب الـ 400 جنيه، بسبب غلاء أسعار الشرائح الميكروية ولقاح داء الكلب وفحوصات الدم التي يجب إجراؤها دوريًّا، بشكل كبير".