بتاريخ 17 سبتمبر 1978 وقعت جمهورية مصر العربية على اتفاقية سلام مع الجانب الإسرائيلي سميت «اتفاقية كامب ديفيد» نسبة للمكان الذي جرت فيه المفاوضات السرية بين الجانبين زمن الرئيس الأمريكي جيمي كارتر. في ذلك الوقت تسببت الاتفاقية بضجة كبيرة على امتداد الوطن العربي، واتخذت قرارات قاسية في مواجهة مصر، فقاطعها العرب وعلقوا عضويتها وتم نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، وانتهت تلك المقاطعة وعادت مصر للجامعة العربية في عام 1989.

في تلك الفترة تشكلت ما سمي «جبهة الرفض» من الدول العربية الرافضة لاتفاقية السلام بزعامة العراق، وكان المشهد الإقليمي آنذاك مزدحماً بالحروب، فكانت الحرب العراقية الإيرانية تطحن المنطقة وتستنزفها قبيل الثورة الإيرانية، والحرب الأهلية اللبنانية تمتحن إنسانية العرب بالمجازر المرتكبة على الهوية، وفي 1982 اجتاحت إسرائيل لبنان بحجة طرد منظمة التحرير من بيروت، وغزو العراق للكويت، وتأييد القوميين والفلسطينيين لغزو الكويت. مما لاشك فيه بأن من عاصر ذلك الزمن يشعر بألم المرحلة وخصوصاً وأن العرب لم يتماثلوا للشفاء من بعد انكسارهم في هزيمة 1967 رغم الانتصار النسبي في حرب 1973.

من يقرأ التاريخ سيجد أن التطبيع بعد كل تلك الكوارث مسألة حتمية، خصوصاً بعد اتفاقية أوسلو، بخلاف التعبير الأدبي لأديب المقاومة الفلسطينية غسان كنفاني، الذي يردده الكثيرون حيث قال «سيأتي يوم على هذه الأمة وتصبح الخيانة وجهة نظر»، أطلقها كونه ابن القضية وفي قلبها، ولربما خلفيته الأدبية ووظيفته في منظمة التحرير جعلته يهتم بالطابع التعبوي، تلك المقولة لا تستقيم مع نظرية المعرفة ولا يصح أن تؤخذ كمعلومة علمية، فما يدور في ذهن الإنسان ويتحول لقرارات وسلوكيات مبنية على وجهة نظره في المسائل والموضوعات المحيطة به. وياسر عرفات ومنظمة التحرير والفلسطينيون المؤيدون كانت لهم وجهة نظر مغايرة لذلك تم إبرام اتفاقية أوسلو للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. الأهم وليس مقبولاً أن تكون القضية الفلسطينية سبباً للتنمر والتناحر والعداوة داخل مجتمعنا، فمن يتفق مع رأي الدولة بالنسبة للتطبيع عليه أن يناقش الموضوع مع الآخرين بشرح الفكرة ومقدماتها إن استطاع، ويبتعد عن تهديد الآخرين بالنيابة عن الدولة، وهذا ينطبق على من يعبر عن رأيه الرافض للتطبيع، عليه أن يشرح فكرته ويعرض مشروعة بالمنطق، بعيداً عن التخوين. السلم الأهلي أمانة بيد الجميع.