مازالت العملات المشفرة مسألة غامضة عند الغالبية العظمى منا. فأغلبنا لا يعرف كيف نشأت، ومن أسسها؟ وما هي الجهات التي تديرها؟ وكيف يعمل نظام الاستثمار بها؟ وما علاقة العملات المشفرة بالعملات التقليدية؟ بل نحن نستغرب من الوضع القانوني غير المفهوم للتداول بهذه العملات. فبالرغم من كل التساؤلات شحيحة الإجابة حول هذه العملات، فإن الوضع القانوني لها غير واضح هو الآخر. هل تسمح الحكومات بالتداول بالعملات المشفرة أم تمنعها؟ هل تراقب حركتها وتعاقب على عمليات النصب، أم أنها تتجاهل الأمر؟

في بضع سنين ازدهر سوق العملات الرقمية وفي الأسابيع القليلة المنصرمة حصل شبه انهيار لهذا السوق. قلة من «المغامرين» الشجعان اقتحموا هذا المجال، واستثمروا نقودهم «الطبيعية» في هذا العالم المجهول. وقد سمعت ذات مرة أن ثمة مكاتب وشركات شبه مرخصة ومواقع إلكترونية تحظى بشيء من الاعتمادية تعمل وسيطاً وميسراً بين «المغامرين» وعالم العملات المشفرة المجهول. وهذا يقودنا إلى التفكير في سبب إقدام هؤلاء «الشجعان» على المغامرة القريبة من المقامرة والإلقاء بأموالهم في معاملات اقتصادية لم تتضح معالمها بعد!

قد تكون إحدى الإجابات المقبولة هي الرغبة في الكسب الكبير والسريع، وهي رغبة عززتها وسائل التواصل الاجتماعي التي تضخ يومياً محتوى هائلاً مدعماً بالصور والفيديوهات لـ«مشاهير» صاروا أثرياء ثراءً فاحشاً وسريعاً من طرق مجهولة. الربح السهل والتمتع بالكماليات الفارهة صار هدفاً عاطفياً وملحاً للشباب، إنه ربح وثراء يشككان في جدوى العمل والتعب ومكابدة المشقة لكسب نصيب جيد من المال، ولأن فرصة أن تكون مشهوراً ليست متيسرة للجميع، فإن العملات المشفرة هي فكرة من نفس الحقل الذي يستحق المغامرة والانخراط فيه.

إجابة أخرى تروج لها أطروحات الاقتصاد الجديد، مفادها أن وظائف جديدة سوف تخلقها «التقنية». ومجالات عمل مختلفة تماماً سوف تكون هي مهن المستقبل واقتصاده، وهذا عامل محفز لأي شخص مبادر لأن يتوقع أن «رقمنة» العملات قد تكون أسلوباً جديداً في الاستثمار الافتراضي لا ينفصل عن طبيعة الثورة الرقمية. وبما أن موقف الحكومات والمنظمات الاقتصادية لم يتبلور بعد تجاه هذه المسألة، فإن القبول بالعملات الرقمية لا يبدو مجرماً أو ممنوعاً، على الرغم من عدم وجود ضوابط أو تعويضات في حال الخسارات الفادحة.

الدخول في المجهول، والمغامرة بخسارة حصيلة العمر من المال هما عنوان قصص المنخرطين في عالم العملات الرقمية؛ فنحن نعيش عالم اللايقين وعصر السيولة الذي لا تستطيع أن تحكم فيه على أي مسألة إن كانت قوية وصلبة وناجحة، أو هلامية ومترجرجة ومتبددة. إنه عالم يقود فعلا إلى المغامرات. فليس الجميع يستمتع بمقعد المتفرج والمنتظر.