يبدو أن البحرين متجهة نحو فكرة التشجير بشكل واضح، حيث إنها أدركت أن «التشجير» في كثير من المناطق أفضل من «التعمير»، خاصة على المدى البعيد، لأن إقامة حزام «أخضر» يعطينا جمالاً وصحة وحماية من أي حزام «أسود». خاصة في ظل تغير المناخ المتسارع والخطير في كل العالم، وعليه ستكون فكرة التشجير ضرورة وليست ترفاً كما يعتقد البعض.

ولكي نشجع على التشجير، وحتى تشجع الحكومة التشجير، يجب أن تبدأ هي بتشجير «وتخضير» مبانيها، سواء من خلال تشجير مؤسساتها من الداخل والخارج، أو من خلال استعمال الطاقة البديلة أو الطاقة «صديقة البيئة»، مع تشجير كل الشوارع والمناطق أيضاً، ومن ثم الذهاب للخطة «ب»، الخاصة بتشجيع المواطنين على تشجير منازلهم من الداخل والخارج كما تفعل مؤسسات الدولة.

نحن ربما نذهب أبعد من ذلك، وهو إلزام الشركات الصناعية الكبرى والمتوسطة بالمساهمة المباشرة بعمليات التشجير في مملكة البحرين، إما عبر إلزامها بالتشجير الإجباري بشكل واسع، أو بفرض ضرائب خاصة لأجل النهضة بمشروع التشجير نفسه، والسبب، لأن هذه المؤسسات الصناعية هي أكثر الجهات غير الصديقة للبيئة، وذلك عبر الانبعاثات الخطيرة والملوثة، والتي تنشط في الجو من خلال مصانعها ومعاملها.

في الوقت الذي تدعو وتشجع فيه الدولة كافة المواطنين على فكرة التشجير، نجد أن هناك جهات رسمية تعطي رخصاً للبناء الأسود في عمق الحزام الأخضر، بل إننا رأينا خلال الأعوام القليلة الماضية، أن الحزام الأخضر الكبير في بعض مناطق البحرين، تعرض للإزالة بشكل بشع، وتحول من حزام أخضر إلى حزام أسود بالكامل، فمن هو المسؤول عن هذا السلوك الذي يتنافى مع توجهات وسياسة الحكومة والدولة!

إن تجريف الحزام الأخضر بطريقة مستفزَّة، وعدم حمايته من طرف الجهة المسؤولة عنه، سيعيدنا للمربع الأول، وهو البناء على قاعدة هشة. فتشجير الشارع العام عملية ممتازة تصب في فكرة تنمية التشجير في الوطن، لكن في اعتقادنا، ستكون حماية الحزام الأخضر، والمحافظة عليه وعلى تشجيره ورعايته بشكل دائم، أهم بكثير من تشجير شارع هنا وزقاق هناك، ولهذا يجب أن يتوقف بيع البساتين والمزارع الواقعة ضمن منطقة الحزام الأخضر وحتى غير الأخضر، إذا كان الهدف من عمليات البيع والشراء هو تدمير الحزام، وإقامة مشاريع سكنية تثري أصحابها فقط، بينما من جهة أخرى، تضر الدولة والمجتمع.

ولهذا، فإننا بحاجة لقوانين واضحة وصارمة لحماية ما تبقى من الحزام الأخضر، وأن يُمنَع منعاً باتاً التصرف فيه أو تغيير طبيعته، وإلا ستكون عملية التشجير عملية لا ترتقي لمستوى الطموح، وذلك حين تقوم يد بالزراعة، وأخرى تقوم في الظلام باقتلاع كل لون أخضر يبعث على الحياة.