صديقتي إنسانة مهنية بامتياز، محترمة لعملها والآخرين. تعمل كل ما يتوجب عليها بدقّة وإتقان. تحب السفر والمطالعة إلى أبعد الحدود، وهما سبب تجددها الدائم. ولكن بعكس المعتاد فإحدى الرحلات التي قامت بها، وجدت أنها حافز لضيق نفسها عوضاً عن سعادتها. ليس بسبب ما تكبدته من مصاريف أو ما اعترضتها من مواقف غير مريحة خلال سفرها، أو بسبب أنه عليها قضاء بعض الالتزامات العائلية، الاجتماعية أو المهنية التي تراكمت عليها خلال رحلتها، أبداً..

فكلما كان موعد الإجازة يشارف على الانتهاء وعليها الالتحاق بالعمل مجدداً، كانت تشعر بضيق في النفس وانقباض بالقلب وسرعان ما تتقتم عضلات وجهها. وليس بسر يَسُر، فالسبب يعود أن صديقتي كانت غير مرتاحة ومتأذية من المكان التي تعمل فيه.

حقيقة، كنت أعتقد بأن ما حصل معها هو بمثابة حالة عرضية شخصية بحتة. إلاّ أن المفاجأة تجلّت، عندما علمت أنه بالفعل يوجد تعريف علمي «باكتئاب ما بعد الإجازة» تماماً كما سمعنا يوماً بأنه يوجد اكتئاب ما بعد الولادة، وما بعد التخرج، وما بعد الطلاق، وما بعد الصدمة... وغيرها من أنواع الاكتئاب. فهل يُعقل أن يكون من جانب مظلم للإجازة؟ للأسف نعم، كون الإجازة تعتبر فسحة أو عطلة إلى المخ كي لا يفكر بما يؤذيه من أشخاص محيطين به سواء على المستوى المهني أو الأكاديمي، أو على المستوى الأسري والاجتماعي. وكلما اقتربت المسافة الزمنية التي تجمعه بمن كان سبب الانزعاج والمضايقة له ما قبل السفر، سوف يواجه مجموعة من الاضطرابات النفسية والجسدية غير المحمودة.

على بالي أن أقدم نصيحة لها وله ولك ولكل من هو بموقع صديقتي وذلك بعدم الاكتراث لما يجري حولهم. ولكن حقيقة فالنصيحة وحدها لا تكفي، في حال أن العامل الأساسي لانزعاجهم وضيقهم لم يعالج... ومع كل المنغصات نأمل للجميع عوداً حميداً وسعيداً في جميع طرق الحياة التي يسلكونها.