بنت البحرين التي جمعتنا على الدعاء لها والدعاء على من صفعها دون رحمة نالت تعاطف البحرين بجميع أطيافه، وكل منا اعتبرها ابنته هو، والصفعة جاءت طعنة في قلوبنا كلنا، ولا أعتقد أن أحداً تم الدعاء على يده بالكسر من قبل الدول العربية كلها لا البحرين فقط قدر ما دعا الناس على المجرمة التي صفعتها.

براءة الطفولة لا تعرف الألوان ولا الأديان ولا المذاهب، إنها جامع إنساني صرف، وأميرة كانت تحمل في ملامحها براءة مذهلة كونها من ذوي الاحتياجات الخاصة فدخلت قلوب الجميع والكل أصر على أن يفعل شيئاً ليعيد لها فرحتها التي سلبت منها ذاك اليوم.

إنما القصة التي هي أشمل من حكاية أميرة، ومعالجتها ضرورية ولا تقف عند غمر أميرة بالمحبة وهي تستحقها، ماذا يعني وجود روضة مثل روضة أميرة؟

إذ لربما كانت روضة أميرة رأساً لجبل جليدي مخفي تحت السطح لم يظهر منه إلا تلك الروضة، ولربما كانت حكاية أميرة هي الجرس الذي كان يجب أن يقرع ليفتح ملف رياض الأطفال برمته، ذلك الذي كان كرة تتقاذفها التربية والتنمية سنوات، وآن الأوان أن تجري الحكومة مسحاً ميدانياً اليوم لا على الورق لنعرف كم أميرة مخفية تحت الركام ولا أحد يدري عنها؟

ما هو وضع المناهج في الروضات؟

ما هو وضع المعلمات؟

ما هو وضع مساعدات المعلمات؟

ما هو وضع المبنى؟

ما هو وضع المتابعة الصحية؟

ما هو وضع الموقع؟

ما هي المعايير والضوابط لمنح التراخيص؟ وكم يبلغ عدد جولات التفتيش لضبط غير المرخصين؟

وما هي عقوبة من يتجاوز القوانين؟

قديماً كان سن التعليم ست سنوات كي يدخل الطفل الابتدائي، أما ما قبله فكانت الروضات دور لعب ورعاية للأطفال، أما الآن فالطفل من عامه الأول يعلمه التلفزيون ويعلمه التلفون اللغة والأرقام والحروف والأشكال ويتعلم التعامل مع التطبيقات الإلكترونية، يدخل الروضة وهو خاتم لكل تلك المهارات، فماذا أعددنا له كدولة كنظام تعليمي؟

هذا عن المرخصين فما بالك بمن فتح كراجاً وقال عنه روضة؟ لم نعرف روضة أميرة، منذ متى فقدت ترخيصها؟ ومنذ متى يسرح ويمرح مالكها بلا ترخيص؟ ويوظف أطفال لرعاية أطفال.

ألم نشاهد فيديوهات مصورة لروضات تعلم أشياء غريبة لا تتفق مع قيمنا؟ ألم نرَ فيديوهات تدخل الأطفال في متاهات الطقوس وهم مازالوا دون الثالثة؟

إنها فوضى تنظيمية.

باختصار نحن بحاجة لأمر حكومي يطالب فيه بتقديم تقرير يجري مسحاً كاملاً لأوضاع كل من فتح مبنى وقال عنه روضة أو حضانة، على أن يكون سريعاً ولا يتأخر، ونحن على ثقة بأن الحكومة سوف تتخذ قرارات عاجلة تصلح الوضع المائل.

أخيراً هناك قيمة معنوية لا بد أن تصل لأميرة ولكل طفل بحريني، لا لأولياء أمورهم فحسب بل حتى لمن هم في عمر أميرة، وهي أنهم في حماية دولة تنتصر للعدالة والإنصاف، الصفعة التي جاءت على خد أميرة طبعت أصابع ظلم على وجهها، قد نغمرها بالمحبة قد نراضيها بالهدايا، ولكن الأهم أن تثق أميرة وكل الأطفال في النظام والدولة وهذا لن يتأتى إلا بأن يرد اعتبارها وتحفظ كرامتها شخصياً أكثر من أن تعرف كم نحن نحبها، كي تعرف الطفولة أنها بحماية الدولة والمجتمع.

هل سمعتم قصة رئيس وزراء مقدونيا في فبراير من هذا العام والذي ذهب مع الطفلة التي لم تنصفها المدرسة وتركتها ضحية للتنمر، رئيس الوزراء فاجأ الجميع بل فاجأ حتى الطفلة إذ اصطحب الطفلة من منزلها ودخل ممسكاً يدها أمام الإدارة وأمام الطلبة فكانت رسالة قوية أن للدولة نظاماً يمنح الأطفال الأمان، أقال الإدارة وأسكت من تنمر عليها فدخلت الصف تعرف معنى معززة مكرمة.

ليس بالضرورة أننا نطالب بتكرار النموذج، حيث بإمكان أي مسؤول أن يقوم بهذا الدور وسوف تصل الرسالة، إنما القصد أن رد الاعتبار و«للعدالة والإنصاف» قيمة يجب أن يلمسها الطفل لمس اليد ولا يسمع عنها بالطبطبة والترضيات، هذه رسالة ترسخ في أعماق الإنسان إلى أن يكبر، أنه في دولة تحميه ولا تقبل بإهانته.