لقد كنا مترابطين مع بعضنا منذ زمن الحضارات وما قبل الميلاد وقبل أكثر من خمسة آلاف سنة، لقد كانت لنا حكايات وتاريخ متجذر وعميق جداً مع هذا البلد الذي يمتد بيننا وبينه البحر، لكننا في الحقيقة كان لنا ذلك التاريخ المشترك، ففي بلدي البحرين كانت هناك حضارة دلمون والتي قامت على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية بدءاً من دولة الكويت الشقيقة ممتدة إلى عُمان الحبيبة، وكانت وقتها هناك حضارة مجان في سلطنة عمان والتي تعتبر من أكبر الحضارات في العالم.

لقد اشتهرنا من خلال حضارة دلمون العريقة بالزراعة والصناعة وكذلك التجارة، والأخيرة هي من كانت سبباً في إيجاد روابط عائلية بين الكثير من العوائل البحرينية العمانية في تلك الحقبة، كما أن حضارة مجان في سلطنة عمان اشتهرت بالتطور الصناعي وصهر النحاس وصناعة السفن وبالريادة البحرية وكانت موطناً للكثير من القبائل العربية التي هاجروا إليها وسكنوا سهولها وسواحلها الجميلة، من هذه الأسباب كان هناك جسر تجاري وثقافي واقتصادي ممتد بين كل من جزيرة البحرين وقتها وسلطنة عمان التي كانت تسمّى وقتها بـ«مجان» كما أطلق عليها السومريون حيث كانت القوافل التجارية تخرج من مجان إلى جزيرة البحرين.

نستطيع أن نقول إن التاريخ يعيد نفسه، مع زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم سلطان عمان الشقيقة حفظه الله ورعاه إلى مملكة البحرين والتي تعتبر أول زيارة رسمية يقوم بها منذ توليه مقاليد الحكم في يناير 2020 كاستجابة لدعوة من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه وتستغرق يومين، وما أعقبته الزيارة من تعاون ثنائي وشراكات بين البلدين على مختلف الأصعدة فيما يشبه الاتحاد والتكامل الاقتصادي والتجاري والتنموي.

لقد كان هناك موكب ملكي مهيب في استقبال جلالة السلطان هيثم بن طارق حيث كان في مقدمة مستقبليه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، وكان واضحاً مدى الحفاوة والترحيب من الجانب البحريني من خلال مظاهر مراسم استقباله رفيعة المستوى والتي تعكس أن هناك آفاقاً رحبة وجسوراً جديدة تبنى وتمتد من جذور علاقاتنا الأخوية الراسخة والروابط التاريخية العميقة بين مملكة البحرين وسلطنة عمان الشقيقة، وبالتأكيد إن كل ذلك ينبئ بأن المرحلة القادمة فيما يخص العلاقات البحرينية العمانية، تصب بالتأكيد في مصلحة العلاقات الخليجية والعربية ككل بتحقيق الكثير من التطلعات والرؤى المشتركة.

هناك الكثير من المؤشرات التي تعكس مرحلة جديدة في عهد العلاقات البحرينية العمانية، منها تأسيس جمعية الصداقة العمانية البحرينية، إلى جانب تحرك هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية العمانية ومركز عيسى الثقافي في البحرين لتنظيم ندوة ثقافية في مايو المقبل، كما أن تأسيس مجلس الأعمال العماني البحريني أسهم بدور فاعل وواضح في رفع حجم التبادل التجاري وتعزيز الاستثمارات المشتركة، إلى جانب الشروع في تأسيس الشركة العمانية البحرينية للاستثمار القابضة التي من شأنها تعزيز الاستثمارات بين البلدين، كما شملت الاتفاقيات التي أعقبت الزيارة عقد عدد من الاتفاقيات الثنائية ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية، وكل ذلك يفضي إلى النية الجادة نحو تحقيق تكاملنا التنموي مع عُمان الشقيقة.