- إنها «العشر الأواخر» من رمضان وربما تكون «عشر أخير» في الحياة، أو عشر أخير قد لا ترجع في عام قادم، وكما قال عليه الصلاة والسلام:«إنما الأعمال بخواتيمها» فمن باب أولى أن يحرص المسلم على إحسان الخواتيم». إنها عشر جميلة من أجمل أيام العام فيها ليلة من أعظم الليالي حيث بدأ فيها نزول القرآن الكريم على خير البشرية عليه الصلاة والسلام. جاء في الموطأ: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أُري أعمار الناس قبله، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر». «ليلة خير من 83 سنة». الكون كله يتزين لهذه الليلة واستثمار اللحظة في كل ليلة من ليالي العشر هو المحك الأساسي في فوزك بالأجور المضاعفة وقيامك لليلة المشهودة «إيماناً واحتساباً». من هنا فلا مجال للتضييع أو الانشغال بالتوافه، فهناك ما هو أولى في لحظات معدودة من عمرك قد لا تعود. رمضان مضى سريعاً، والعشر الأخير ستمضي، وستبقى عبادتك الحقة في «سوق العشر العظيمة» التي اغتنمتها بصالح الأعمال.

- «صفحات الفرح» التي ترسمها بين أهلك بين الفينة والأخرى هي صفحات خير وألفة وتجديد للمحبة التي تجمع القلوب وتحتاج إلى من يمسح عنها غبار الأيام وكدرها. من عرف كيف تتألق نفسه بين قلوب أهله، وحرص أن يكون له الحضور المتميز بينهم يفتقدونه عند غيابه عنهم، فهو بذلك قد عرف كيف يرسم هيئته في صورة العائلة التي لا تكتمل إلا بوجوده وصنع أثره بينهم. فهنيئاً لتلك الأرواح الجميلة التي تصنع الحُب والفرح، وَيَا خسارة من ألف الابتعاد عن لحظات الحُب التي لا تتكرر بحجج واهية وانشغالات متكررة. ويا عجبي لمن غاب عن الأنظار لفترات طويلة فقد اعتاد البعد عن «أرحامه».

- جهّز لعشر الخير قائمة من أمنياتك وحاجاتك واسأل الله تعالى بها في دعائك، وألح في السجدات وبخاصة في ثلث الليل الأخير، حتى تتحقق الأمنيات وتغفر الزلات. إنها ليال سانحة فيها الخيرات والقربات، فطوبى لمن أكرمه المولى «برزق التوفيق في الدعاء» وحظي باستجابة الدعوات.

- تلتقي تلك القلوب الفرحة المسرورة على بساط «العشر الأخير» كما اعتادت في سنوات خلت ومنذ أيام الطفولة في تلك المساحة الآمنة التي اعتادوا أن يتلذذوا فيها بالعبادة ويتنافسوا فيها من أجل خيري الدنيا والآخرة. هكذا هو رمضان «يجمع القلوب» التي اشتاقت للقاء أحبابها على ضفاف العشر الأخير، يتنافسون ويتناصحون من أجل أن يلتقوا هناك في «الفردوس الأعلى».

- عندما نتحدث عن «الإتقان في العمل» فإنما نتحدث عن قصة حب متبادلة مع ذلك الميدان الفسيح الذي أحبه الموظف وعشق العمل في مساحاته من أجل أن يكون رمزاً للعطاء والخير وصناعة الأثر الجميل. عندما نتحدث عن «الإتقان» و «الإخلاص» وعدم تضييع الأوقات في العمل في بعض التفاهات على حساب تعطيل مصالح الآخرين وتأخر الإنجاز، فإنما نتكلم عن شخصيات اعتادت أن تكون المبادرة والمُتقنة والمُنجزة مهما كانت الظروف، سواء عملت «عن بُعد» أو في محيط «العمل» أو حملت «الحاسوب» في حقيبتها تنجز أعمالها أينما كانت، وشتان بينها وبين الشخصيات «الكسولة والمهملة» التي تبحث عن مساحات من «الراحة» وإنجاز «الأعمال الشخصية» بلا اعتبار لقدسية تلك الأوقات التي تتقاضى مقابلها الأجور. حقيقة نفخر بكفاءات على مستوى «القيادات» تتقن قيادة «اللحظة» وتتواصل من أجل أن يكون عملها ذلك الإتقان الفريد الخال من أية عيوب، فهمها أولاً وأخيراً أن تحقق مفهوم «الإحسان» اتباعاً لقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليُحد أحدكم شفرته، فليُرح ذبيحته». إنه الإحسان في جميع أحوال الإنسان.

ومضة أمل

اللهم استجب دعواتنا وارزقنا أجمل الأرزاق في «ليلة القدر».