ظاهرة تعاطي المخدرات موجودة منذ القدم في المجتمعات البشرية بيد أنها ازدادت انتشاراً في عصرنا الحاضر لأسباب متعددة، وأهم الأسباب التي تقف وراء انتشارها هي الأسباب السيكولوجية «النفسية» التي تقوم على فكرة أن المخدرات بكافة أنواعها تعتمد في تعاطيها على فكرة الاعتمادية، بمعنى أن الفرد الذي يفتقد السند النفسي والاجتماعي في البيئة الأسرية والمجتمعية التي ينتمي إليها بسبب تفكك الأسرة أو لا تغمرها المشاعر العاطفية الإيجابية التي تجعل من الأسرة بيئة آمنة أو يكون المجتمع نفسه تنتشر فيه ظاهرة تعاطي المخدرات، وبالتالي لا تكون الأسرة أو المجتمع بديلاً يعتمد عليه الفرد ويكون سنداً له ويجعله ذلك يبحث عما يحقق له الآمن والاستقرار، ويكون البديل تعاطي المخدرات بأنواعها أو الانتماء إلى الجماعات المتطرفة.

ومثل كل الدول واجهت البحرين ظاهرتي تعاطي المخدرات والعنف اللتين تهددان خاصة فئة الشباب، لذا تبنت البحرين برنامجاً تربوياً وقائياً من قبل وزارة الداخلية بقيادة معالي الفريق أول الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية الهدف منه حماية الشباب الذين هم عصب الأمة، وهو برنامج «معاً» التربوي ويعد أنموذجاً وطنياً معتمداً من برنامج D.A.R.E. بالولايات المتحدة والذي أدى إلى الحد من سوء سلوك الأطفال في المدارس بنسبة 56% منذ إطلاق البرنامج عام 2011، ولقد وفرت وزارة الداخلية كل الإمكانيات المادية والبشرية لهذا البرنامج، وتم تطوير هذا البرنامج عام 2022.

من خلال تنفيذ هذا البرنامج تدخل مملكة البحرين مرحلة جديدة قائمة على تبني المناهج التربوية العلمية المنظمة في مكافحة مثل هذه الآفات الخطيرة التي تهدد وجود المجتمع وتعمل على تفكيك البناء الاجتماعي، والمسؤولية ليست ملقاة على وزارة الداخلية فقط، إنما وجب على الجهات الأخرى المعنية برعاية الشباب والأطفال ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، مثل الأسرة والمدرسة ودور العبادة ومؤسسات المجتمع المدني وكذلك وزارة التربية والتعليم ووزارة الإعلام لنشر الوعي لدى أولياء الأمور والمعلمين بخطورة مثل هذه الآفات وانعكاسها السلبي على الشباب والأطفال وخاصة في الإجازات حيث الفراغ وقضاء أغلب الشباب أوقاتهم في المقاهي، ولذلك عليهم أن يوفروا البرامج في المدارس والأندية لكي يستغل الشباب والأطفال أوقاتهم للأنشطة التي تعود عليهم بالمنفعة وعلى المجتمع وتنمية مواهبهم الخاصة.

ولا ننسى أن هناك جماعات متطرفة ومسيسة تعمل على توظيف الشباب وغسل عقولهم ليكونوا معاول هدم للبناء الاجتماعي بدل أن يكونوا هم المورد البشري الأهم الذين يحتاجه الوطن وعماد بناء الأمة والذين يقوم على عاتقهم نهوضه، خاصة نحن في مرحلة التنمية المستدامة ولذلك يجب ألا نجعلهم صيداً سهلاً لمن يريدون الشر للوطن.

والمسؤولية كذلك ملقاة على الجهات القانونية في تطبيق القوانين وتنفيذ العقوبات وبشدة على المحرضين وتجار المخدرات والذين يعملون على غسيل أدمغة الأطفال والشباب، وجزاء هؤلاء كما يقول الله عز وجل في محكم كتابه: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتّلوا أو يُصلّبوا أو تُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا من الأرض»، «سورة المائدة: الآية: 33». وعطفاً على ذلك تمتد المسؤولية إلى إدارة الشؤون الدينية لتزيد من رقابتها على دور العبادة والمساجد -التي أصبحت مأوى لمن يغرسون الاتجاهات الدينية المتطرفة-، ولا تكون مكاناً للاعتصامات أو المظاهرات، وما جعلت المساجد إلا للعبادة حيث يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: «وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً»، «سورة الجن: الآية: 18».

من كل ذلك تكون الشراكة المجتمعية مطلوبة فهي صمام أمان للوطن وأبنائه حتى يتمكّن من تحقيق أهدافه في التنمية المستدامة وتحقيق أهداف رؤية البحرين 2030 بامتياز، وحفظ الله مملكة البحرين ملكاً وحكومة وشعباً من كل مكروه.