بالتزامن مع يوم المرأة البحرينية، لفت انتباهي أن أكثر سؤال يطرح هو هل المرأة نكدية؟ وطبعاً يتم التعامل مع هذا السؤال باعتباره طُرفة. فتنهال الإجابات خفيفة الدم «هكذا كان يقصد أصحابها». نعم المرأة نكدية. أحياناً، المرأة حساسة وسريعة الانفعال، وكالعادة لابد من التندر على الهرمونات النسائية. وبالمحصلة مازالت الصورة النمطية عن المرأة هي «النكد». ومهما بلغت المرأة من مستوى مرموق في مجالات العمل والتعليم والثقافة والابتكار، تبقى مادة مفضلة للانتقاص وطرح النكت.

وبرغم إيماننا بالاختلافات في طبيعة الرجل والمرأة إلا أننا، غالباً، ما نستبعدها من تفسير السلوك المختلف. فعلى سبيل المثال، فالمرأة كائن معبر باستفاضة. إنها دقيقة في الرصد والتقاط الوقائع واستشعار الأحاسيس المصاحبة لها. وهي تجيد الوصف والحكي والقص، وتحب المشاركة، والتعاطف والمؤازرة. أجزم أن النساء لو تخصصن في فن كتابة السيناريو والإخراج لأبدعن في رسم المشاهد والمؤثرات الحسية والفنية.

بينما الرجل يحب السرعة والاختصار، ويقفز مباشرة نحو النهايات، ويقيّم الأمور بنتائجها. أظن أن أغلب الرجال هم من مواليد برج القوس، أو من الأبراج المتقاطعة معه. يحدقون نحو الهدف مباشرة، ولا يفكرون في الاستمتاع برحلة الإنجاز. يؤمنون يقيناً أن اليوم يمضي ولن يعود وأننا لا نعيش إلا لمرة واحدة. وكم تبدو تلك الرؤى متباينة بين الرجال والنساء.

فحين ترغب المرأة، في أي سياق كان، الحياة الاجتماعية أو العمل أو العلاقات العائلية، أن تخبر الرجل بأي موضوع يشغلها، أو موقف مر بها. فهي تحب أن تسهب في الشرح وفي طرح التفاصيل، والتعليق على كل جزئية. وترغب أن يتفاعل معها الرجل بذات الحماس أو التأثر الذي تشعر به. لكن الرجل لا يبادلها الاهتمام ذاته. فيشعر بملل ثم السأم، فيبدأ بالتبرم. فتغضب هي، ولأنها متأثرة أصلاً من موضوع النقاش؛ تختلط بها المشاعر وتتفاعل، فلا يفهم الرجل ردة فعلها المركبة، ولا يتقبلها.

يرفض كثير من أنصار المساواة بين الجنسين مبدأ الفروقات الجندرية. ويشتد عناد النسويات في هذه المنطقة الشائكة بأسلاك الخصوصية والطموح. لكنها حقيقة ماثلة أمامنا، ونعيشها، ونتعامل مع بعضنا بمقتضاها. المرأة تختلف عن الرجل كلياً. من ناحية الشكل البيولوجي أو التركيبة الوجدانية. نحن لسنا متماثلين. نحن النساء لا نتدر على سرعة غضب الرجل وآثارها السلبية التي تجعل من بعض الرجال يبدون أحياناً كقطار يسير دون قائد. غير أن المجتمعات الشرقية تعتبره قوة وسلطة وذكورة واجبة لإثبات الذات. ومع ذلك لاتزال بعض فئات المجتمع تسخر من حساسية المرأة وعاطفتها، وتعتبرها منقصة، وضآلة وضحالة، وغيرها من العبارات التي تجعلها في مرتبة أقل من الرجل.

والمسألة ليست في أدنى وأعلى مرتبة. أو أي من مترادفات التفضيل بين الرجال والنساء. المسألة في الاختلاف في حد ذاته.

نعم نحن لسنا نكديات. نحن عاطفيات. نعالج كافة مكونات الحياة عبر أحاسيسنا. نحن نؤنث الكون حولنا فيبدو، برغم قساوته، ليناً ومرناً ومطاطاً. وحين نحزن أو نغضب، فنحن لا نعقد الأمور. نحن فقط نحقنها بجرعة مشاعر، فتصبح معالجتها أسهل.

ولا أسهل من التفاهم مع امرأة لا تطمح لأكثر من الاهتمام لما تقوله، والتفاعل مع قصصها، ومشاركتها خصائص الرؤية التي تضفيها على الأشياء.

وليس السؤال الوجيه: هل المرأة نكدية؟ بل الأسئلة الجديرة بالتأمل هي: إلى أي مدى يستطيع الرجل تمرين نفسه على الإصغاء إلى المرأة ورفع درجة تفاعله معها؟

وإلى أي مدى تستطيع المرأة أن تضبط جموح اندفاعاتها في التعبير؟ وأن تتقن فن الانتقاء في الوصف والسرد كي تلتقي مع مزاج الاختصار لدى الرجل؟

حين نحاول الاقتراب عند نقاط التقاء، فإننا نكون أكثر قدرة على التفاهم. بدل أن الصراع على مراتب الأفضلية.