أي قرار يصدر ضد دولة مثل إسرائيل ينبغي أن تراقب ردة فعل دولة واحدة لا أكثر، لتعلم إن كان هذا القرار سيكون حجة على إسرائيل أو مجرد «حبر على ورق»، وأعني هنا ردة فعل الولايات المتحدة الداعم الأكبر والأهم لإسرائيل التي لا تهتم إلا بالدعم الأمريكي، أما بقية الدعم من دول أخرى فإن جاء فـ«خير وبركة» بالنسبة لإسرائيل.

ومناسبة هذه المقدمة هو ذلك القرار الذي وصفه الكثير بـ«التاريخي»، والذي اتخذته محكمة العدل الدولية قبل أيام، ويؤكد أن على إسرائيل اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لمنع التحريض المباشر والعلني على ارتكاب إبادة في قطاع غزة والمعاقبة عليه»، و«عليها أن تمنع كل أعمال الإبادة المحتملة في القطاع». ومثل هذه القرارات لاشك في أنها تاريخية وتصب في صالح القضية الفلسطينية، وضد إسرائيل ولكن محكمة العدل الدولية ليس لديها صلاحية تنفيذ أحكامها، وهو ما من شأنه أن يجعل قرارها مجرد «حبر على ورق»، خاصة إذا كان القرار مرفوضاً بشكل أو بآخر من الولايات المتحدة، ولقد تابعنا جميعاً تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية الذي أنكر ما أسماه مزاعم إبادة جماعية في قطاع غزة، مستنداً على قرار محكمة العدل الدولية التي «لم تتوصل» إلى قرار بشأن الإبادة الجماعية أو تدعو إلى وقف إطلاق النار في حكمها»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

من هنا نستشف أن هذا القرار التاريخي لن يكون قابلاً للتنفيذ، شأنه في ذلك شأن الكثير من القرارات الدولية التي تنتهكها إسرائيل وتخترقها مثل قرار مجلس الأمن رقم 2334 بشأن اعتبار الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين غير شرعي، وقرار حل الدولتين بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، والعديد من القرارات والدعوات والتأكيدات التي تدعم القضية الفلسطينية وتدين الانتهاكات الإسرائيلية، لذلك لن يُغير قرار محكمة العدل الدولية من الواقع شيئاً، سوى «زيادة» في عدد القرارات الداعمة للقضية الفلسطينية والمدينة للانتهاكات الإسرائيلية.

لا أقصد مما سبق التقليل من قرار محكمة العدل الدولية، بل بالعكس، نحتاج لمثل هذه القرارات لتأكيد الحق الفلسطيني، وتوثيق المزيد من الانتهاكات الإسرائيلية، ولكن هذا الأمر ليس بالجديد، فالقرارات السابقة شاهدة، وسوف تستمر إسرائيل في انتهاكاتها، وتستمر القضية الفلسطينية في معاناتها، طالما هناك دولة مثل الولايات المتحدة تقف في ظهر إسرائيل وتساندها في كل انتهاك تقوم به هذه الأخيرة.

إن الأمتين العربية والإسلامية مطالبتان بكل دولهما ومنظماتهما أن تضغطا ليس على إسرائيل، بل على الولايات المتحدة من أجل فلسطين وعودة حقوقها المسلوبة من إسرائيل، ومن واقع تجارب سابقة فإن الضغط الاقتصادي هو المطلوب في الوقت الراهن، لتحريك «الضمير» الأمريكي، وإيقاظ ما تبقى فيه من مصداقية ونوايا طيبة.