كان غزو النظام العراقي السابق بقيادة صدام حسين إلى دولة الكويت يمثل درساً مهماً في الخطوات التي كان بالإمكان تحاشيها في حال تم تطبيق الممارسات الحديثة للدبلوماسية الاستخباراتية والتي ظهرت بشكل واضح في وقتنا الحاضر عندما رسمت الولايات المتحدة الأمريكية سياستها الخارجية بالتعاون مع الاستخبارات المركزية (CIA) حينما أعلنت واشنطن علانية بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيشن هجوماً على كييف بناءً على المعلومات الواردة من قبل الاستخبارات.

حيث أصبحت الدبلوماسية الاستخباراتية أداة من أدوات الدول في رسم السياسات الخارجية التي تحذر الخصوم وتكشف للرأي العام حقيقة النوايا التي تتعارض مع المصالح سواء القومية أو الإقليمية أو الاتجاهات الدولية، فكانت الكويت ورغم التطمينات قبل الغزو من قبل الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك والذي كشف حينها في مقابلة تلفزيونية بأن الرئيس صدام حسين قدم له تطمينات بأنه لن يقوم بأي أعمال عدائية ضد الكويت وفي واقع الأمر كانت هناك خطة محكمة لعملية الغزو، والذي كان من الممكن تفادي ذلك من خلال جلب معلومات ذات مصداقية عالية من قبل مركز الاستخبارات وبذات السياق يتم رسم السياسات الخارجية لمواجهة تلك الخطط العدائية.

ومع التطورات التي يشهدها العالم من تداعيات حرب غزة وتوسع نطاق المعارك ما بين التصعيد والتهدئة، كان لا بد من أن تضع دول الشرق الأوسط خططها في رسم السياسات الخارجية وفق المعلومات الاستخباراتية وذلك لمواجهة أي تصعيد للفوضى وعدم الاستقرار، وعلى سبيل المثال لا الحصر وبحسب ما أعلنته جماعة الحوثيين الإرهابية أن الجماعة مكتفية من ناحية الأسلحة والصواريخ البالستية، قبل أحداث غزة، وهذا يتطلب في مواجهته بأن تتحرك السياسات الخارجية في التحقق من هذه المعلومات والتنبيه بخطورة الموقف وهذا بالفعل ما حدث عندما حذرت المملكة العربية السعودية المجتمع الدولي من مخاطر التي تحيط في الممرات المائية ومنها باب المندب، حيث وظفت الرياض المعلومات التي لديها في خطابها الدبلوماسي ليكون العالم على اطلاع على حقيقة الوضع وليكون شريكاً في مواجهة هذه المخاطر.

الرسالة التي أود إيصالها، أن الدبلوماسية الاستخباراتية بها تطبيقات وأساليب متعددة وهي تستخدم بالكثير من المناسبات والأحداث، كما أنها تبرز قوة الدولة أو الكيانات في المجال الاستخباراتي وقد تفضح نوايا الخصوم مما يجعلهم بموقف قد يردعهم في مرحلة ما كأسلوب ضغط خارجي بصورة غير مباشرة، ونظراً لما تمر به المنطقة من تداعيات الصراعات، يتطلب على دول الخليج العربي بأن تقوم بإنشاء مركز للاستخبارات الخليجية الموحدة تتمثل مهامه في مواجهة أي خطط للإضرار بالمنطقة ويكون تابع لقوات درع الجزيرة المعني بردع أي عدوان خارجي ويتم ربطه بصورة مباشرة بالتحركات السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون لتحقيق أقصى استفادة في مجال الدبلوماسية الاستخباراتية.