شهد الشرق الأوسط في الأيام الماضية مجموعة من التحركات الدولية المتعلقة بإيجاد هدنة في غزة والسودان ومساعي حثيثة إلى أهمية احتواء الكثير من العمليات العدائية في البحر الأحمر، وهذا يؤكد أن هناك نوايا واضحة في تحويل هذه الأزمات من الميدان إلى طاولة المفاوضات.

وبالتالي، إن استيعاب اللاعبين أن ما يجري اليوم من حروب في الشرق الأوسط يجب أن يكون عبر الأساليب الدبلوماسية بدلاً من استخدام القوة العسكرية وهذا النهج يعتبر أكثر عقلانية في معالجة القضايا الراهنة. هو أمر مهم ويعتبر تغيراً جذرياً في تعاطي الدول العربية والخليجية في اتباع الممارسات السلمية في حل النزاعات لما سيكون له الأثر الإيجابي على مستقبل المنطقة.

غير أن هذا التوجه يتصادم مع مصالح أنظمة خارج نطاق الشرق الأوسط، بمعنى أن ما يجري الآن من عمليات تصعيد في منطقتنا العربية يقدم خدمة في ساحات المعارك الأخرى، فتمثيلاً لا حصراً، أصبحت الصراعات في الشرق الأوسط ساحات لتصفية الحسابات بين روسيا وأوكرانيا، وكان آخرها ما كشفته وسائل إعلام أوكرانية عندما بثت مقطعاً مصوراً لاستهداف عناصر روس في السودان عبر طائرة مسيرة أطلقها عناصر من أوكرانيا.

كما أن العمليات التي تجري في البحر الأحمر باستهداف ناقلات الشحن من قبل الحوثيين واستمرار حرب غزة وما تقوم به تل أبيب بالتصعيد في الجبهة اللبنانية تقدم خدمة إلى موسكو في أزمتها في أوكرانيا والصين الطامحة للتوسع، بحيث إن هذه المسارح تستنزف مخزونات الأسلحة لأمريكا والناتو.

نصل إذن إلى نقطة محورية، هي أن اللاعبين في منطقة الشرق الأوسط يسعون إلى التهدئة وفي نفس السياق محور المقاومة الإيراني والذي كشفت تقارير إعلامية بارتباطها بمصالح روسيا يسعى إلى التصعيد وفي المقابل فإن إدارة نتنياهو اليمينية المتطرفة تذهب إلى رفع نسق العمليات العسكرية في جنوب لبنان وسوريا وهذا ما يؤدي لإضعاف مبادرات التهدئة.

خلاصة القول، ما يجري بالغرف المغلقة تكشفه مسارح العمليات وليست التصريحات والقرارات الدولية التي تصدر من مجلس الأمن، وهذا سيؤدي إلى عدم الثقة ليس على مستوى المؤسسات الدولية فحسب، بل حتى على مستوى التزام الدول في ما بينها، وهذا سيجعل من الصعوبة إيجاد أي مسارات للهدنة أو للاستقرار الدولي.