نعم أقصد الهواتف، وتحديداً الأجهزة المحمولة واللاسلكية، وأيضاً أقصد كثيراً من البشر بوصف "الإجرام" وقد أكون أوّلَكم! إذ فعلاً أصبح استخدام الهاتف النقال أحد وسائل الإضرار بحياة الناس والممتلكات العامة.

هنا أتحدث عن "المرض" الذي أصاب عشرات الأشخاص ولربما غالبية من يمتلكون رخصاً للقيادة، والذي -أي المرض- يتمثّل باستخدام الهاتف النقال أثناء القيادة.

كل واحد فيكم لديه قصص بالتأكيد، قصص لمواقف تعرّض لها في الشارع بسبب الهاتف النقال، وهنا أعني ما تُعرّضه له من مخاطر أو تعطيل بسبب أن سائقاً آخر أمامه أو خلفه أو بمحاذاته أو حتى في مواجهته كان يستخدم الهاتف النقال في قيادته.

مثلاً، أشك بأن أحداً لم يصادف الموقف الذي تنتظر فيه أوّل سيارة تقف عند إشارة المرور لتتحرّك، ويتحوّل اللون للأخضر، ومازالت السيارة متوقفة، فتضطر لإطلاق الزمور "هرن السيارة" حتى ينتبه متصدّر الصفّ الأوّل ويترك عنه هاتفه ويتحرّك!

كلكم صادفكم هذا الموقف، والغريب فيه كيف "أدمَنَ" البعض استخدام الهواتف أثناء القيادة، لدرجة أن توقّفاً قصيراً عند إشارة أو دوار يجعله يهرع إلى الهاتف ويتصفّح الشبكة العنكبوتية أو مواقع التواصل الاجتماعية أو يردّ على الناس عبر "الواتس آب"!!

ولربما كثير منكم صادفكم موقف أكثر إزعاجاً، وهو احتكار البعض للمسار الأيسر وهو يسير بسرعة أقل من الشارع، ولا يمنحك فرصة التجاوز، بل بالأصح لا يعرف بالازدحام الذي تسبّب به خلفه في المسار السريع، فقط لأنه يمسك بالهاتف غير مبالٍ أو مُكترث.

أنا شخصياً تعرّضت لهذا الموقف بالضبط يوم أمس صباحاً، إذ في طريقي للمكتب وعلى شارع الأمير خليفة بن سلمان -طيب الله ثراه- فتاة تسير ببطء شديد وعلى المسار الأيسر، ورغم الإشارات لها باستخدام الأضواء "الفل ديم"، ورغم إطلاق الزمور "الهرن"، إلا أن "عمّك أصمخ"! لا ردّة فعل ولا انتقال للمسار الأيمن، ولا حتى إحساس بطابور السيارات الذي تجمّع خلفها في المسار الأيسر.

طبعاً تحرّكتُ للمسار الأوسط وقمت بالمرور جوارها، وإذا أرى الفتاة تمسك المقود بيد واحدة، وبيد أُخرى الهاتف وشاشته أمام عينيها، ولكم أن تتخيلوا لو حصل شيء ما أمامها في المسار، لو تعطّلت سيارة أمامها، بل لو خفّفت سرعتها فجأة، أو لو عبر الشارع مشاة، أو حصل أي طارئ أمامها، لكم أن تتخيّلوا قدرتها على ضبط الأمور والسيطرة على الموقف!

نسبة قدرتها على مواجهة أي أمر مفاجئ أمامها "صفر" مع مرتبة الشرف! أي أن هؤلاء الذين يمسكون بالهاتف طوال قيادتهم للسيارة، سواء أكانت حالة مهمة أم لا، هؤلاء قد يرتكبون "جرائم" تودي بحياة آخرين، بل قد تودي بحياتهم. هؤلاء يحوّلون شوارعنا إلى "شوارع موت"، حتى وإن كانت الأطراف الأُخرى واعيةً وملتزمةً بقواعد المرور، لكن المشكلة كما نقول بالبحريني "تجيك التهايم وأنت نايم"، بمعنى أنك حتى لو التزمت وتوخّيت الحذر، هذا لا يضمن لك السلامة، لأن في المقابل هناك من يستهتر ويتهوّر وقد يؤذيك بتهوّره.

نسبة الحوادث بسبب استخدام الهواتف النقالة أثناء القيادة كثيرة جداً، نعم هناك حوادث تقليدية في السياقة، لكن هذه الظاهرة -أي استخدام الهواتف- هي الأخطر، نظراً للنسبة العالية جداً لغياب التركيز.

طيّب الآن كيف نتعامل مع حوادث ومآسٍ راح ضحيتها أشخاص بسبب تهوّر سوّاق سيارات تسببوا بحوادث وكان السبب إنشغالهم في الهاتف النقال؟!

المصيبة أن المتسبّب في الحادث سيحاول أن يهوّن فداحة المشكلة ويقول بأنه "لَهِيَ في تلفونه"، لكن المصيبة الأكبر لو أن هذا "الالتهاء" قاد لكارثة إزهاق أرواح أو تسبّب بعاهات مستديمة. هنا كيف سنُعيد الناس للحياة؟! أو كيف سنجبر الضرر؟!

ننصح الناس وأنا قبلكم بألا نستسهل هذا الأمر، فكم من حادث أليم، وكم من روح أُزهقت، وكم من متسبّب في حادث تبهدل وحوكم وتشتّت مستقبله، فقط لأنه رفع هاتفه أثناء القيادة وانشغل به؟!

لابد من تغليظ العقوبات على استخدام الهاتف بشكل أكبر. لابد من إعلان هذه العقوبات بشكل متكرّر عبر كل الوسائل حتى يصل الناس لمرحلة "الإشباع" و"الممل" من تكرارها، لأن هذا المطلوب، إن لم تجد مساعي رفع الوعي وتنوير البشر بالوسائل التوعوية، فلا مفرّ من مساعٍ "لتخويفهم" من العقوبات والغرامات والتوقيفات بشكل يجعلهم يخافون، نعم يخافون. ولا أن يموت الناس في الشوارع نتيجة الاستهتار.