شهر رمضان فرصة لاستذكار قصص وسير الأنبياء، ومن أكثر القصص التي وجدتها تطابق الواقع الحالي قصة نبي الله موسى عليه السلام، فما أكثر أحداثها وعبرها التي تعيد نفسها مع هذا الزمن.

جميع قصص الأنبياء تنقسم بين أهل الخير والشر، بين من يدعو ويسعى للخير وعبادة الله وهو في مواجهة جماعة الشر عبدة الطاغوت التي تملك القوة والنفوذ والقرار، وفيها شخصيات يمكن تسميتها «بالخاضعة» وهي التي تعلم الحق ولا تستطيع الاعتراض على أهل الشر وأفعالهم لا وبل تصطف معه خوفاً وطمعاً.

ففي قصة سيدنا موسى الذي يدعو الناس إلى الحق والخلاص من الطاغوت يواجه أكثر وأكبر طغاة عصره وهو فرعون، الذي حكم الناس ظلماً وطغياناً حتى قال لهم «أنا ربكم الأعلى».

وفي زماننا الحالي كثير من مشاهد طغيان فرعون تتكرر وتعيد نفسها يوماً بعد يوم، فكما قال فرعون لمن استضعفهم وأخضعهم «مَا أُرِیكُم إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهدِیكُم إِلَّا سَبِیلَ الرَّشَادِ»، أي أن الرأي هو ما أراه (أنا) وما أفعله هو الفعل الصحيح، وكان الواقع يقول لا حاجة لرأيكم ولا لمواقفكم يكفي ما أقوله وأفعله، وهو بالضبط ما تمارسه السياسة الانفرادية الدكتاتورية الأمريكية في العالم.

فما تراه الولايات المتحد الأمريكية «شراً» يجب أن يراه بقية العالم كذلك، وما تصفه بالخير هو خير للعالم، فلا يهم رأي كل دول العالم إذا وجدته أمريكا في غير هواها، وإن خالف رأي العالم هواها فالفيتو الأمريكي بالمرصاد ليهدي العالم للرشاد.

ففرعون هذا العصر هو من يقرر إذا ما كنت صديقاً أم إرهابياً، وهو من ينصف جماعة «معينة» اليوم بالإرهاب وغداً يستبعدها حسب هواه ومصالحه الخاصة. يموت إسرائيلي واحد أو عشرة فهذا إرهاب ووحشية وبربرية وعلى الجميع أن يصف الفعل كذلك وأن يدينه ويستنكره، بينما عدد الشهداء من الفلسطينيين بالآلاف وأفضل وصف لهم حسب الرأي الفرعوني بأنهم «أضرار جانبية للحرب الإسرائيلية الفلسطينية التي تسببت بها المقاومة الفلسطينية الإرهابية»، لا أن دم الإنسان مهما كانت ديانته وعقيدته محرمة.

وقبل أيام طالب الكونغرس الأمريكي الأمم المتحدة عزل واستبعاد محققة حقوقية فلسطينية «فرانشيسكا ألبانيز» من منصبها، بسبب ما سموه «معاداتها للسامية وانحيازها ضد إسرائيل»، فقط لأنها قالت كلمة حق فيما شاهدته من جرائم وفظائع في حق الفلسطينيين، لذا اعتبروها معادية ومتحيزة ضد إسرائيل.

العالم كله يدرك الحقيقة ويبصرها إلا أنه سلم واستسلم للرأي الأمريكي الذي جعل العالم بقعاً مشتعلة من الصراعات والكوارث، في سبيل تشتيت الرأي العالمي وأبقى زمام الأمور في يده، فليس من المصلحة الأمريكية أن يعم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط حتى تخرج دول هذه المنطقة من حالة التوتر والاحتقان المتبادل بين بعضها البعض، فلابد من شيطنة هذا مع هذا، وتسليح هذا ضد هذا، حتى يتيقن العالم بأنه بحاجة دائمة إلى حماية شرطي العالم من خطر العالم.