لم تتغير شخصيته وإن تغير الزمن، هكذا هو حاله يلتزم بأخلاقيات الحياة، وبطمأنينة نفسه، وبأخلاقه الرائعة التي لا تتغير وإن تغيرت المواقف الحياتية الصادمة، ولا يرد الصاع بصاعين، بل منهجه "لا حول ولا قوّة إلا بالله". سيظل يعمل "بصمت" ويقدم أثره في مختلف المواقع وإن تغيرت المهام. ولكن سيعمل بأسلوب مُغاير على غير المعتاد من أجل أن يحافظ على "جمال أثره" ونقاء سريرته، ومن أجل أن يوفر جهوده لمناشط حياتية أخرى يعمل من خلالها لنشر الأثر.
يهتم بالمشاعر فهي أساس نجاح العلاقات، وبالحُب الذي يُعزز من جمال التواصل. يهمه أن يراك "بخير"، ويحزن إن رأى على تقاسيم وجهك ما يزعجك، فيأتي ليسأل عنك وعن أخبارك، ويرسل لك رسالة عابرة: "لم أعتد أن أراك على هذا الحال، أتمنى أن تكون في أجمل حال، ولعلها سحابة صيف عابرة". شخصية لا تبتعد عنك قيد أنملة وإن تغيرت أحوال الحياة، تتواصل معك، وتسأل عنك، وتُذكرك بالماضي الجميل، ماضي الأثر الذي تقاسمت معها لقمة العطاء بمعناه الحقيقي. يشاركك دائماً لحظات الإسعاد، فبعد كل مناسبة يرسل لك "كلمات الفرح" ويُبارك لك مسعاك، ويسأل عنك إن طال المقام وغبت عن مساحاته.
الأبناء زينة الحياة الدنيا، هم الإرث الحقيقي للمرء يتركه بعد أن يستكمل كل مقاصد الحياة الجميلة، ويغرس فيهم كل القيم المُثلى التي تمناها يوم أن كان شاباً يافعاً. الأبناء هم قرة العين وأُنس الحياة وجمال الأيام، قال تعالى: "والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرّة أعين واجعلنا للمتقين إماماً". من هنا يجب أن نعمل من أجل "قرة الأعين" ومن أجل بناء أبناء بررة لدينهم ووطنهم ومجتمعاتهم. وأول ما نغرس فيهم "الحُب المتبادل" والاحترام وعطاء الأيام وأثر الحياة. وما أجمل حُب الأبناء وحضنهم الدافئ. كان عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُبالغ في حُب ولده سالم، حتى لامه الناس فيه فقال: يلومونني في سالم وألومهم.. وجلدة بين العين والأنف سالم".
كلمته حكيمة في ساعة "العُسرة والضيق"، كالسحابة التي تمر على ضوء البدر، منهجه مع من يُحب "واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً". هو تلك الشخصية الرزينة التي تقف مع أحبابها في ساعة "العُسرة"، وبخاصة عندما تكون تلك الشخصية هي المؤثرة الناضجة التي أعطت وقدمت وساهمت وأنجزت. الحكمة البالغة منهجه في التعامل مع أقرب القلوب التي يُحبها.
إمامته للمسجد أعطته الكثير من الفوائد التي ما زال يتبارك بها في أيام حياته، محطة جميلة بخصال جميلة، وإيمانيات تحط رحالها في قلبه المُفعم بالحُب وتمنيات الخير للآخرين. ذلك المحراب الجميل في المسجد الأجمل، وروّاد المسجد البسطاء، وحلقات الذكر وقراءة القرآن الكريم، كلها سوانح للخير، وإضاءات جميلة في تلك الشخصية، التي آثرت أن يكون العطاء الخصب الممتد في مسجد مُبارك أضاء حياة كل من صلّى بين جنباته وتعلّم فيه.
دائماً ما أراه يُحب معنى هذه الآية "وجعلني مُباركاً أين ما كُنت"، أي جعلني مُعلماً للخير أينما كنت، منهجه أن يكون مُعلماً للخير أينما وطأت قدماه، ينشر الخير والأثر الجميل. المُبارك من البركة وهي الكثرة والنماء والنفع. تراه دائماً يدعو لغيره: "ربِّ يجعلك مُباركاً أينما كنت". هذا الدعاء الجميل يُجمل حياة كل من نُحب، وكل فرد نتعامل معه، لأن بدون البركة لا يحصل النفع، وأحياناً هناك أفراد متميزون في حياتنا، نستشعر بركتهم في كل لحظات حياتنا.
كريم في كل شيء، وسخي في كل شيء، يده ممتدة إلى الآخرين في كل مناحي الحياة، يُحب أن يُفرح القلوب ويُسعد الآخرين، يلاحظ حزنك من بعيد فيأتي إليك ليُكرمك بكلمات تجبر بخاطرك ليُسعدك. عنده ثقة كبيرة أن ما أنفقه سيعود عليه بالنفع والفائدة، وبأضعاف ما يتمنى، ليقينه بأن من ترك شيئاً لله تعالى عوّضه الله خيراً منه. السخاء والكرم يحيي حياة الإنسان، ويُطمئن قلبه، وينتفع بدعوات الآخرين. وأجمل كرم هي تلك الهدايا الجميلة عميقة النفع التي تُزيل العثرات من نفوس الآخرين.
عندما تكشفت من أمامه الأقنعة وتساقطت الوجوه المُزيفة، أيقن حينها أنه أمر الله عز وجل ورسالته الربانية التي أتت لتكشف زيغ البعض وعدم تقديرهم لشخصك ومسيرتك الخصبة المُزينة بعطاءات الحياة المؤثرة. شخصية أيقنت أن ما عند الله هو خير وأبقى، وأنه لا نفع بالمضي قُدماً في مسارات مُهلكة ومُضيعة للأوقات، ولا نفع بالانهماك في المشاعر السلبية التي تولد من المُصادمات الحياتية المُتكررة والتي لا نفع لها في حياته. لقد أيقن أن السبيل الوحيد للأثر الحقيقي هو التجاهل والفخر بالأثر المُستدام. إنها شخصية أيقنت بحُبها الحقيقي لحياة الخير، وحمدت المولى عز وجل على رسائله المُربية للنفس.
ومضة أمل
اللهم إني أسألك حُبك وحُب من يُحبك وحُب عمل يُقربني إلى حُبك.