عشية الاجتماع الثلاثي الذي عقد أمس الأول في موسكو بين وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران، لإيجاد حل للأزمة السورية خاصة ما يتعلق بمصير المدنيين المهجرين في أحياء حلب الشرقية، والأخبار التي استحوذت على اهتمام جل وسائل الإعلام العالمية، كان من الملاحظ أن ثمة لاعباً لا يريد أن تتحقق نتائج إيجابية تخدم القضية السورية، فباغت الجميع ودبر عملية اغتيال السفير الروسي بتركيا في عملية غامضة خاطفة، فاجأت الجميع، وأربكت المشهد، وطرحت العديد من التكهنات حول الجهة التي تقف خلف هذه العملية القذرة.
عملية الاغتيال الآثمة تضعنا أمام العديد من الفرضيات في ظل غياب الكثير من المعلومات، فالفرضية الأولى، وهي ضعيفة إلى حد كبير، وهي أن يكون النظام الروسي نفسه هو منفذ العملية، وذلك لوضع تركيا في موقف حرج أثناء عملية التفاوض وإطلاق إعلان موسكو كما حدث أمس الأول.
الفرضية الثانية، أن يكون النظام السوري وراء هذه العملية، وذلك بغرض عرقلة أي عملية تسوية حقيقية، بين الثوار السوريين وبين الحليف الروسي الأهم في الوقت الحالي، لأنه في تلك الحالة سيصبح رئيس النظام السوري في مهب الريح، حال رفع الروس يدهم عنه، خاصة وأن الجانب الروسي من الممكن أن يستثمر نجاحه في عملية شرق حلب، ويقوم بعملية مناورة وتكتيك في الانسحاب، في وقت يظهر فيه انتصاره، ولا يضعه في موقف الخاسر في معركة ستطول رغم أنف الجميع.
الفرضية الثالثة، هي لا تبتعد كثيراً عن الفرضية السابقة، لأن الخاسر في انسحاب الجانب الروسي من دعم بشار الأسد لا يختلف موقفه كثيراً عن موقف بشار، وهنا أعني بالمحرك الرئيس والمستفيد الأكبر من الحرب الدائرة على الأرض السورية وهي إيران.
الفرضية الرابعة، أن يكون منفذ العملية من الخلايا النائمة لتنظيم فتح الله غولن والتي تسعى جاهدة إلى الانتقام من نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإحراجه أمام المجتمع الدولي، وإظهار فشله في تأمين السفراء والدبلوماسيين في تركيا.
الفرضية الخامسة، هي أن تكون ثمة قوى غربية صهيوأمريكية تحاول إفشال التقارب التركي الروسي خاصة في المرحلة الانتقالية بين إدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما والإدارة الجديدة للرئيس المنتخب دونالد ترامب ووجود اتفاقات مسبقة مع الجانب التركي من الممكن أن تؤثر على خطوات خطيرة قادمة أو متوقعة بين ترامب والروس.
أما الفرضية الأخيرة، هي في نظري الأخطر، أن يكون حادث الاغتيال حادثاً فردياً، نتاج ردة فعل عن الأحداث الأخيرة في شرق حلب، وهذا مؤشر في منتهى الخطورة يجعل المصالح الروسية والغربية وربما الإيرانية تتعرض لحوادث مماثلة في كل مكان في العالم خاصة وأن اللاجئين السوريين انتقلوا إلى مناطق متعددة في أوروبا وأمريكا وجميع الدول العربية، وهذا الحادث سيفتح بلا شك الباب أمام حالات وتجارب فردية مماثلة يصعب على أي جهاز أمني أن يتحكم فيه، وهذا في تصوري من أكبر الخسائر التي لم تكن في حساب الجانب الروسي والإيراني على حد سواء.
ومن هنا، فإن الأمر يستوجب من أجهزة الأمن في دولنا العربية والإسلامية أخذ الحذر والحيطة تحسباً لأي عمليات مماثلة، وربما تحمل الساعات المقبلة الكثير من الأنباء والأخبار التي ربما تزيل تعقيدات هذه العملية والجهات التي تقف خلفها.