لعل من المناسب -بغية اكتمال الصورة عما يجري في إيران منذ أواخر العام الماضي- الإشارة إلى بعض ما كتبه وقاله محللون إيرانيون إثر الأحداث التي شهدتها أكثر من 70 مدينة وقرية وانطلقت من مشهد، ثاني أكبر المدن الإيرانية بعد طهران وأكثرها محافظة.

من ذلك أن المظاهرات أحدثت حالة ارتباك غير متوقعة لدى النظام بدليل أن المسؤولين احتاروا في من ينبغي توجيه الاتهام له، فمرة وجهوه إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية، ومرة إلى تنظيم الدولة «داعش»، وثالثة إلى الموساد، ورابعة وخامسة وسادسة إلى المعارضة، والسعودية، ورضا بهلوي «ابن شاه إيران محمد رضا بهلوي، الذي ثارت عليه إيران في أواخر السبعينات»، وسابعة إلى قنوات المعارضة في الخارج ومجاهدي خلق، لكنها لم تهتم كثيراً بالأسباب الحقيقية التي أدت إلى كل ذلك، فالأرضية في المجتمع الإيراني كانت مهيأة لمثل هذا التحرك، فهناك أزمة معيشية، وهناك يأس من حل هذه الأزمة، وهناك معلومات تتزايد عن الفساد الحكومي، لهذا فإن الطبيعي هو أن الاحتجاجات القادمة ستكون أقوى وستفاجئ الجميع من حيث زمانها ومكانها واتساع رقعتها طالما أن النظام الإيراني مستمر في إصراره على عدم الاعتراف بالأسباب الحقيقية التي أدت إلى التحرك الأخير وتوجيه التهم للخارج، وطالما ظل مستمراً في إصراره على عدم حل المشكلة.

من المعلومات التي توفرت واهتم بها بعض المحللين الإيرانيين أن كبار قيادات التيار المحافظ دعمت المظاهرات الأخيرة ودفعت كثيراً من أنصارها إلى النزول إلى الشارع كي يكونوا جزءاً من المظاهرات، وهو أمر غريب لا تفسير له سوى أن هذه القيادات المحافظة هدفت إلى «ضبط إيقاع المظاهرات» لجعلها «ضمن المطالب الاقتصادية والاجتماعية ونقد السياسات الحكومية» وعدم السماح «بوصولها إلى مستوى المطالبة الحقيقية لإسقاط النِّظام السياسي، وعلى رأسه المرشد الإيرانيّ علي خامنئي»، وهدفت كذلك إلى منح هذه المظاهرات مزيداً من الزخم الجماهيري الضاغط على حكومة الرئيس حسن روحاني وخلق حالة من عدم التوافق السياسي داخل التيَّار الإصلاحي، وبالطبع تهيئة الأرضية للتيار المحافظ كي يخوض الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة وهو مرتاح.

المحللون الذين وجدوا أنفسهم مع هذا التفسير قالوا أيضاً إن التيار المحافظ كان سيطلب من أنصاره العودة إلى منازلهم لو أنهم وجدوا أن المظاهرات يمكن أن تعصف بكيان الدولة الإيرانيَّة بمجملها أو أن هذه المغامرة ستكلفهم كثيراً لو انكشف أمرهم.

المحللون الإيرانيون رأوا أيضاً أن رفع شعارات سياسية تمجد بالشاه الإيرانيّ محمد رضا بهلوي وتندد بالمرشد خامنئي والرئيس روحاني وتطالب بتخلِّي إيران عن العراق وسوريا وغزة، تعني أن هناك فجوة واسعة بين السياسة الإيرانيَّة والشعب الإيرانيّ وأنه إذا أراد النظام الإفلات من مأزقه فإن عليه أن يبدأ بتجسير هذه الفجوة والإسراع في عمل إصلاحات وفي مراجعة سياسته الخارجية.

من التحليلات المهمة واللافتة أيضاً تلك التي رأى أصحابها أن مشكلة النظام السياسي الإيراني الكبرى هي أنه بحكم طبيعته الديكتاتورية أو المذهبية الصرفة غير قادر على التجديد، فأي عملية تحديث قد يدخلها هذا النظام على أحد أركانه تفسر على أنها محاولة لهدم السلطة الدينية للمرشد ومؤسساته، حيث العلاقة بين النظام السياسي الإيراني وعمليات التحديث والتطوير السياسي والاقتصادي علاقة صفرية بامتياز، وتوسيع المشاركة السياسية لكل فئات الشعب الإيراني عملية تقويضية للوجه المذهبي والقومي للدولة الإيرانية، وتحسين الفرص الاقتصادية يمثل ضربة قوية لمفهوم الاقتصاد المقاوم، وتخفيف الضوابط الاجتماعية المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته الشخصية تقويض للوجه الإسلامي للدولة وفسح للمجال أمام القوة الناعمة الغربية لتفعل فعلها داخل المجتمع الإيراني.

كل هذه التحليلات ليست بعيدة عن الواقع ومنطقية، والأيام ستكشف المزيد من خفايا تلك المظاهرات.