قبل بضعة أشهر وعلى هامش أحد المؤتمرات الخليجية، خضت حديثاً مميزاً مع الدكتور سامي الفرج رئيس مركز الكويت للدراسات الاستراتيجية، حول التنمية ومعوقاتها في دول الخليج العربية. مازلت أذكر جيداً وقوفه على التخطيط كأساس هام للتنمية، وأن التنمية لكي تقوم في بلد ما فذلك يستلزم وجود عقل متنور يحتاج إلى النصيحة. كنت في لقائي الشيّق معه كلما حاولت تغيير مسار الحديث إلى الشؤون الدولية والتحولات المتجددة في المنطقة، كلما جرني بطريقة مشوقة إلى التنمية، وبينما كنت أتساءل في نفسي لماذا ذلك التجنب الواضح لما أردت الذهاب إليه، قال: «الناس عندما تقول قضية العرب الأولى فلسطين، أنا أقول لا، إنها التنمية»، وعلل قوله أن فلسطين لو حظيت بالتنمية اللازمة لما كان هذا حالها، ولكنهم تجاهلوا قادة الفكر وحكّموا حرّاس أمنيين لا يفقهون من أمور التنمية شيئاً..!! ثم استرسل «تخيل أن الشعب الفلسطيني المثقف الذي ينفق دم قلبه لتعليم عياله يحتكم إلى حراس أمنيين في نهاية المطاف.. إنها كارثة»..!!

كان حديث الفرج كافياً لنقف بجدية على ألا يشغلنا شاغل عن التنمية وإن كان التحولات السياسية والاقتصادية والمهددات الأمنية، فقد كانت خلاصة ما أراد قوله أن علينا بناء مجتمعاتنا وقوتها لكي نتمكن من مواجهة العالم بأسره. جرنا الحديث وقتها إلى الأزمات التي تخوضها المنطقة.. وأخيراً وصلت إلى المساحة التي أريدها، ولكنها لم تكن بالطريقة التي أدير فيها الحديث مع الغالبية، فسرعان ما تناول إدارة الأزمات من أجل المضي قدماً في التنمية، مشيراً إلى أن الأزمة تقطع حبل التفكير، ولذلك يجب التوقف عند حدوثها عن التفكير والتركيز على إدارة الأزمة، وهو ما يحدث بطبيعة الحال، ولكن المهم الذي أراد التركيز عليه أنه وبعد إدارة الأزمة وانقضائها أو السيطرة عليها -على أقل تقدير- لا بد من العودة للتفكير من جديد. لأن الهاجس الأول هو التنمية.. نحتاج للعودة دائماً.

* اختلاج النبض:

أشارك اليوم في منتدى التنمية بالكويت، إذ يناقش موضوع «الخليج والتحولات الإقليمية والدولية»، من منطلق أن تلك التحولات تؤثر مباشرةً على خطط التنمية في المنطقة. انعقاد الملتقى بنخب سياسية لها مكانتها لدى صانع القرار الخليجي بشكل ما، يعني أن مازال هناك من يفكر في التنمية رغم كل الأزمات، وأن مسيرة التنمية الخليجية ماضية قدماً وإن اعترضتها بعض المعوقات في طريقها، ما يجعلنا أمة قوية أو تسعى للقوة في عالم مضطرب.