في عام 2017 بلغ إجمالي الناتج المحلي للصين 80 تريليون يوان، وتم توفير 13 مليون فرصة عمل جديدة، وتوسعت مظلة التأمين ضد الشيخوخة لتشمل أكثر من 900 مليون نسمة، في حين غطت مظلة التأمين الطبي الأساسي مليارا و350 مليون نسمة، بالإضافة إلى أن 10 ملايين آخرين من الفقراء الريفيين تخلصوا من قيود الفقر.

في مجال الإسكان، تم نقل 3.4 مليونا من الفقراء وإعادة توطينهم في أماكن جديدة تمتاز بظروف مناسبة وإقامتهم في مساكن مريحة. كما بدأ بالفعل بناء 6 ملايين شقة في إطار عملية تأهيل أحياء الصفيح، حيث تم تحقيق الهدف قبل الموعد المحدد.

وتم تحقيق الانتصارات واحداً تلو الآخر في الابتكار العلمي والتكنولوجي والمشاريع الكبرى، حيث بدأ القمر الصناعي «هوي يان»، يحلق في الفضاء، وحلقت في السماء الزرقاء طائرة الركاب الكبرى سي 919، وتم ابتكار الحاسوب الكمي، وتم تدشين أول حاملة طائرات محلية الصنع، وبدأ بشكل رسمي بناء المرحلة الرابعة من ميناء يانغشان الأوتوماتيكي المعتمد كلياً على الذكاء الصناعي، واكتمل المشروع الأساسي لأطول جسر بحري في العالم بطول 55 كيلومترا يربط هونغ كونغ وماكاو وتشوهاي، ولا يفوتني هنا إلا أن أهنأ الشعب الصيني على قوته الابتكارية العظيمة!

«وإذا فزنا في الحرب على الفقر بعد ثلاث سنوات، فإنها ستكون المرة الأولى التي يقضى فيها على الفقر المطلق في تاريخ الأمة الصينية الممتد على مدى آلاف السنين»، كان هذا جزءاً من الخطاب الأخير للرئيس الصيني. عند تولي «دينج هسياو ينج» الأب الروحي للنهضة الحديثة في الصين الرئاسة الصينية في 1977 طلبَ من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم، الموافقة على التعاقد مع خبير تنمية إدارية واقتصادية عالمي للنهوض بالواقع الاقتصادي المتردي للصين الشعبية ولكن طلبه رفض سبع مرات غير أنه لم ييأس أو يحبط بل واصل عرض طلبه حتى استطاع في المرة الثامنة إقناعهم بفكرته ووافقت اللجنة على طلبه.

خاطب «دينج هسياو ينج» شخصياً عمادة كلية الإدارة والاقتصاد والسياسة في جامعة أكسفورد البريطانية، الأولى عالمياً في هذا التخصص، وأبلغهم عن رغبة الصين، بالتعاقد مع بروفيسور متخصص بالتنمية الاقتصادية والإدارية، للعمل مع الحكومة الصينية بصفة مستشار أول. وكان ذلك هو الخبير الاستراتيجي البروفيسور العراقي الياس كوركيس الأستاذ في جامعة إكسفورد البريطانية والذي وافق على العرض وذهب للصين، وأمرَ «دينج هسياو ينج» وزراء الحكومة الصينية بتنفيذ ما يطلبهُ منهم الخبير وقد حدد الخبير أربع نقاط أساسية لمشروعه مع حكومة الصين.

بعد ثلاث سنوات من بداية عمله ووضعه خطة إستراتيجية لكل وزارة، أخذت تجربته الإصلاحية لاقتصاد الصين تظهر للعيان، وبعد خمس سنوات من عمله استطاعت الصين من بلورة مفهوم اقتصاد السوق الاشتراكي. وكان الخبير العراقي الياس كوركيس قد بدأ الإصلاح في المناطق الريفية بتدشين نظام الأسر المنتجة، ثم واصل عمله الإصلاحي في البلاد، وطال الإصلاح قطاع الصناعة الذي استمرت الصين به في انفتاحها الاقتصادي وساعد الخبير الصين على الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. كل ذلك أمره ليس بصعب لكن يبقى السؤال كيف استطاع البرفيسور العراقي تغيير كيان بهذا العدد الهائل من البشر والمساحة الجغرافية الشاسعة والبيروقراطية المتجذره؟!

بعيداً عن الجوانب الاقتصادية والسياسية، فقد فعل أمرين محوريين، الأول، كان أحد المطالب الأربعة التي قدمها للقيادة الصينية وهو إعادة تأهيل وتدريب الوزراء وقيادات الدولة على الإدارة والقيادة ليتحولوا إلى قادة حكوميين بدلاً من مسؤولين حكوميين، ولم يكن ذلك بالأمر السهل على من توطدت لديهم تقاليد الدولة البيروقراطية. والأمر الثاني تحدث عنه الأستاذ في جامعة بكين د. لي جانغ، حيث قال، كانت الرشوة والسرقة متفشية في الدوائر الحكومية ولكن قرارا حكيما من المستشار التنموي للصين «البروفسور الياس كوركيس» وهو ربط زيادة دخل الموظف بزيادة حجم الإنتاج والمبيعات وجعل نسبة من الربح تذهب للموظف والعامل والمدير وهذا ما جعل الجميع يُفكر بزيادة اإنتاجية، لقد غير هذا العربي العراقي ثقافة مجتمع ضخم بكل المعايير. لم يكن الحل في تقليص المنافع والامتيازات أو التخصيص أو رفع الدعم والصين شيوعية حيث تسيطر دولة على كل مصادر الإنتاج بل بربط المنافع والامتيازات بالإنتاج، لعلنا نحتاج لأن نتعلم من تجربة نهوض الصين فنعتمد على كفاءاتنا الوطنية والعربية وليس الحمران «أقصد من تحمر بشرتهم لأقل تعرض لشمسنا» وأن نسأل أنفسنا بصدق وتجرد كموظفين في مواقعنا الإدارية المختلفة هل تستطيع ثقافة العمل لدينا في القطاع العام «الربحي وغير الربحي»، الاعتماد على الإنتاجية والكفاءه في الحصول على المنافع المادية والأمتيازات الأخرى بدلا الترقيات الآلية من رتب إلى درجات؟ لا أريد أن أصدمكم بالإجابة وسأتركها لكم. يبقى هناك سؤال ملح، كيف نتغلب على سطوة «الحمران»؟