المحطات التي وقفت عندها الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله للصحافة والإعلام ولوسائل التواصل الاجتماعي يوم الأربعاء تحدثت عما يشغل الوسط الصحافي والإعلامي والتواصلي بشكل دقيق وتفصيلي وكان جلالته حاضراً معنا قارئاً كان أو مستمعاً أو مشاهداً بل وحتى كاتباً، لما نفكر به وما يدور في خلدنا، مشاركاً إيانا تحدياتنا مستشهداً بأجمل محطاتنا التاريخية التي كان الإعلام فيها عاملاً وعنصراً أساسياً في الدفاع عن مكتسباتنا والذائد عن أوطاننا، وماراً على ما انشغلنا به وأشغلنا، وما كدر خاطرنا وما أسرنا، للتأكيد على أن جلالته كان ومازال شريكاً أساسياً للصحافة والإعلام.

فهو من بدأ رسالته بالتذكير بالعمق التاريخي لمهنتنا في البحرين قائلاً: « نجدد فيها دعمنا للكلمة الحرة المسؤولة، واعتزازنا بإعلامنا الوطني، بتاريخه العريق منذ ثلاثينيات القرن الماضي ودوره المحوري المعاصر كشريك أساس في مسيرة الإصلاح والتنمية الشاملة والمستدامة». نعم فنحن يا جلالة الملك كما ذكرت على مشارف المئوية الصحافية الأولى في البحرين والتي سيتزامن عقد اكتمالها مع رؤيتنا 2030 تلك عراقة حفرها الصحافي البحريني بعرق جبينه وامتلك فيها عناصر الاستدامة التي أبقته وأمدته بطاقة الاستمرار فكأنك معنا تؤكد على عراقة هذه المهنة ومن انخرط فيها.

نعم يا صاحب الجلالة نحن نسعى وإياكم لترسيخ المبادئ والقيم التي ورد ذكرها في ميثاقنا الوطني الذي نافحنا عنه كجسم صحافي وقت كان الجدل محتدماً قبل التصويت عليه بعد أن شكك البعض فيه وحاولوا التقليل من مصداقيته وزرع بذور الشك في ما وعدنا به الميثاق من مكتسبات، حينها دافع الجسم الصحافي بالجدال والنقاش الصحي والموضوعي الذي وفرته لنا البيئة الإعلامية فجاءت نتيجة التصويت عليه بنسبة نفخر يا صاحب الجلالة بأنّ للصحافة دوراً في رفعها بالتوعية وبالجدل المنطقي.

وليت الجميع يا صاحب الجلالة يقتنع مثل جلالتكم أن «النقد» المسؤول والجدل الصحي المنطقي بين المختلفين سواء حول أداء الوزارات والهيئات الحكومية أو حول المظاهر الاجتماعية عامل أساسي للاكتمال ما دام ملتزماً بالضوابط المهنية المحددة بالأطر القانونية والدستورية، فإنه جدال لا يخيف ولا يضر، بل بالعكس إنه يساعد الجميع على الوصول إلى القرار الأقرب للصحة، فتلك القناعة لمسناها يا صاحب الجلالة من لدنكم حين سمح الفضاء الإعلامي برعايتكم بالجدل حتى حين كان مشككاً «بالوثيقة» التي طرحتموها للتصويت فضربتم مثلاً بتلك الأريحية في تقبل النقد على الإدراك السامي بأهمية الجدل المنطقي وأهمية دفع الحجة بالحجة لا بمنعها، وكأنكم يا صاحب الجلالة معنا تتلمسون تحدياتنا واحتياجاتنا.

وحين توقفتم يا صاحب الجلالة أمام واحدة من أهم تحديات مهنتنا المعاصرة بل واحدة من أهم تحديات المجتمع البحريني في الوقت الحاضر، أكدتم أنكم تسيرون إلى جانبنا، تراقبون عن كثب ما يدور في أوساطنا من خوف وحذر من دخول عناصر غريبة على جسدنا البحريني بعموميته، وعلى جسدنا الإعلامي والتواصلي بخصوصيته، فقلتم في رسالتكم السامية: «ونعتقد أن هناك حاجة ماسة إلى اتخاذ التدابير الضرورية لضبط الانفلات الأمني والأخلاقي في الفضاء الإعلامي والإلكتروني، من خلال التزام القنوات الفضائية الدولية ووسائل الإعلام المختلفة بالمواثيق الدولية، عبر تحري الدقة والأمانة والموضوعية في عرض أخبارها وآرائها، والشراكة الدولية في تعزيز الاستخدام الآمن والرشيد لشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، والابتعاد عن الإثارة والتجريح أو انتهاك الآداب العامة، والتعاون الفعال في مكافحة الجرائم المعلوماتية بجميع أنواعها». نعم يا صاحب الجلالة نحن مثلكم نؤمن أن هناك حاجة ماسة لاتخاذ التدابير التي تمنع وتتصدى لهذا الانفلات الذي أساء لنا جميعاً، وأساء لهذا التاريخ العريق، وأساء لمهنتنا، وأساء لأعرافنا وتقاليدنا السمحة. أنتم إذا معنا ترون كيف لوث البعض هذا الوسط حين أدخل أداة هادمة كأداة الرشى والارتزاق بين الناشطين فيها لاستخدامهم في ضرب هذا بذاك منتهكاً الآداب العامة ومنفلتاً أخلاقياً ومهنياً كما ذكرت رسالتكم السامية، وبدلاً من الجدل السليم والمنطقي ومقارعة الحجة بالحجة أقحمت أصابع هؤلاء المسمومة شأنها في وسط احتفظ بنقائه على مدى عمقه التاريخي والمهني. نعم يا صاحب الجلالة نحن بحاجة لتدابير، وبحاجة لإبعاد من لوث هذا الوسط بتلك السموم، فقط لأنه لا يملك حجة، ولا منطق ليدافع بهما عن موقفه، وبحاجة لتفعيل القانون واتخاذ التدابير اللازمة لإعادة الأمور لنصابها.

كل كلمة جاءت في هذه الرسالة السامية كأنها نابعة وصادرة من صحافي وإعلامي ومغرد بحريني أصيل مدرك لحجم تحدياتنا ومشاركاً لنا في طموحنا، نعم يا صاحب الجلالة كأنكم كنتم معنا.