بعد الحرب العالمية الثانية كانت ألمانيا تحظى بالمهنيين والمتعلمين، ولذلك قدّر الجنرال جورج مارشال - رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي أن الشعب الألماني بحاجة للمال لينهض مجدداً، وهو ما دعاه للإعلان عن قراره بنفسه في 5 يونيو 1947، وبعد عشر سنوات من مشروع مارشال كانت ألمانيا دولة صناعية مجدداً. بشار الأسد أيضاً وضع خطته لمشروع إعادة إعمار سوريا، ولكن على نحو يُلائم مصالحه وهي بلا شك مصالح طاغية، الأمر الذي يبرر إصداره القانون رقم 10 في 2 أبريل 2018 والذي يجيز لمدن وبلدات في أنحاء سورية كلها، بتخصيص مناطق تقع ضمن حدودها الإدارية للتنمية أو إعادة الإعمار، وإنشاء شركات تطوير عقاري تُشرف على تصميم مثل هذه المشاريع وتنفيذها، ورغم أن الحديث عن إعمار سوريا يمنحنا صورة وردية وجميلة نحلم بها جميعاً لمستقبل البلاد والعباد، إلاَّ أنه وكما يقول الفرنسيون فإن الشيطان في التفاصيل، فلتحقيق هذا القانون يستلزم أموراً عدة تعد بحد ذاتها كارثة.

المسألة الأولى أن القانون سيفضي إلى مصادرة أملاك بعض السوريين -العقارية والزراعية والصناعية- بشكل دائم، من منطلق أن كل شيء قد دمرته طائرات الأسد، وأصبح «براحة» -كما نقول في الخليج- أي ساواه بالأرض. أما المسألة الثانية فإن القانون سيعمل على مكافأة الموالين للنظام، وهم العلويون والفئات الاجتماعية من الأقليات التي خافت من «داعش» فانضوت تحت جناح الأسد، يعني هذا أن القانون سيخلق تكتلات جديدة وتجمعات للثلة الذين أبدعوا في ذبح السوريين . المسألة الثالثة أن هذا القانون بمصادرته للأراضي يستلزم جلب أيدٍ عاملة -سواء مزارعين أو عمالاً- من مناطق أخرى، وسيقود هذا إلى تغيير التركيبة الديمغرافية السورية والنسيج السكاني. أما المسألة الرابعة الكارثة، هي أن القانون سيطلب من كل سوري إثبات حقه في عقاره الصناعي أو الزراعي أو حتى السكني، فمن أين تأتي عجوز بأوراق كانت مع زوجها الذي قتلته البراميل المتفجرة؟ ولنفترض جدلاً أن الأوراق موجودة.. من سيقدمها؟!! فالذكور مطلوبون من النظام بتهمة الفرار من التجنيد الإجباري.

ورغم أن أمل يحدونا نحو إعمار سوريا، ولكن ليس على الطريقة الأسدية، إذ سيكون مشروع مارشال الأسد لإعمار بلده وإعادة الحياة إلى طبيعتها عبر قتل شعبه مرتين، ثم تسليم سوريا المفيدة للشركات الروسية لتزرع وتصنع وتمتص نفط سوريا وتشغل السوريين بنظام العبيد والسخرة. أما الفرصة في إعادة الإعمار ستكون من نصيب الحرس الثوري، وهو ما يعني استمرار بقاء إيران في سوريا بوجه اقتصادي جديد بعد زوال حضورها العسكري الذي ستجبرها روسيا على تطبيقه بعدما قال بوتين يجب خروج كل القوات الأجنبية من سوريا.

* اختلاج النبض:

من لم يمت من قنابل الطاغية بشار الأسد سيموت قهراً بينما يرى ممتلكاته تسلب منه وتسلم للروس والإيرانيين بحجة إعادة إعمار سوريا، وبلا شك أن الحرب السورية ستتجدد مرة أخرى ولو بعد استتباب الهدوء لبضع سنوات.