قالت لي عبارات لطالما شعرت بها خلال الفترة الماضية وكنت أجدني عاجزة عن التعبير بما أشعر به وكأنها لخصت واقعنا الحالي.. تقول وهي متأثرة بقصة فقدانها لابنتها بعد أن رحلت مع عصابات الاتجار بالبشر وعدم رؤيتها لأكثر من أربع سنوات: فوق أن البعض لم يشعروا بحرقة ما نعانيه لم يخافوا الله فيما فعلوه فينا! لم يهتز ضميرهم ولم تتحرك مشاعرهم ولم يفكروا ولو لحظة كيف سيكون شعورهم لو وضعوا في نفس مكاننا وفقدوا ابنتهم! مشكلتنا في هذا الزمن أنه لم يعد هناك خوف من الله أبداً! الناس مسلمة بالاسم ونسوا وجود الله وهم يتسلطون على الآخرين ويظلمونهم! هل تصدقين أنهم لا يخافون حتى، وأخذتهم العزة بالإثم، وطغوا لدرجة أنهم يدركون أن هناك من يدعو عليهم ليل نهار ويتجه لله طالباً منه أخذ حقه منهم ورغم ذلك لا يخافون الله!

وجدتني هذا الأسبوع في دوامة أفكار لا نهاية لها أمام عدد من القضايا المختلفة والتي تتشابه وتصب في خانة واحدة بالضبط، الناس تغيروا لدرجة مخيفة جداً! باتوا كالوحوش البشرية، تصرفاتهم وأجرامهم، وكأنهم ملحدون لا يؤمنون بوجود الله وعدالته.. الناس لم يعودوا يكتفوا بالعبرة بحيث يرون مصاب غيرهم ويحذرون، بل لا بد أن يتجرعوا ما تتجرعه ويوضعوا في نفس موقفك حتى يحسوا بك ويفهموا ما تمر به!!!

القضية الثانية التي آلمتني شخصياً وأثرت فيّ، قصة تشويه سمعة مرشحة نيابية في إحدى دوائر المحرق "من أصول مصرية " وضربها في شرفها وتلفيق الكثير من التهم الباطلة عليها، البعض نسي أن هذه المرأة متزوجة ومحصنة، والله سبحانه وتعالى عندما سيحاسب من قذفها لن يتهاون ويخفف العقاب "أستغفر الله يعني" بحجة أنها بحرينية من أصول مصرية مثلاً! كما أن الغريب أنه لم يفقه أحد ويتفكر ويستوعب أن القصد من مهاجمتها ليس من منطلق عداوة شخصية معها، إنما الموضوع أكبر مما هو ظاهر على السطح، فالقصد الإساءة إلى المصريين المقيمين في مملكة البحرين والتأثير على علاقة البحرين بالدول الأخرى لكون مصر من الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، فالموضوع ذو أبعاد أمنية وسياسية وانتقامية من قبل عصابات قطر وإيران الإلكترونية.

أمام عدم إحساس الناس بما يفعلونه بحق الآخرين لم يفكر أحد، وهو يعيد نشر مثل هذا الكلام الباطل والقذف في الأعراض، في عقابه من الله وأنه من كبائر الأعمال وأنه كما تدين تدان، وغداً قد تدور الدوائر عليك فتتجرع نفس ما قمت به للآخرين! لم يتحرك ضمير أحدهم فلا يعيد نشر ما وصله عنها ويقتل الفتنة والإساءة في مهدها، ويخاف فيما لو استهدف هو أو أحد أفراد عائلته ذات يوم ورأى الناس تتعامل مع الشائعات والأكاذيب عنه كما يفعل مع هذه السيدة الشريفة، بل الغريب أن البعض الذي أعاد النشر تعرضوا يوماً لما تعرضت له هذه السيدة، ويدركون حجم الألم النفسي الذي أصابها، ورغم ذلك لا إحساس ولا ضمير ولا حتى خوف من الله سبحانه!

أما القضية الثالثة فهي أنه رغم صدور بيان من قبل وزارة الداخلية البحرينية يكشف أن هناك حسابات إلكترونية تدار من قبل مرتزقة قطر ومطلوبين للعدالة لدى الأمن البحريني متواجدين بالخارج تحاول ترويج الشائعات وخلق حالة استياء عامة على الدولة وطرح مواضيع حساسة تهدد السلم الأهلي في مملكة البحرين وتنتحل صفة المواطن البحريني، ورغم ما كشفه هذا البيان الذي جاء طرحه خلال هذه الفترة أمام تزايد ظاهرة الذباب الإلكتروني والاستهداف الممنهج للبحرين وقيادتها وشعبها، إلا أن الصدمة كانت عندما نشر تقرير لقناة العالم وهؤلاء المرتزقة بعنوان "ردود أفعال على بيان الداخلية" حمل مهاجمة إلى وزارة الداخلية ودفاعاً مبطناً عن قطر وترويجاً لكتابات بعض عملاء إيران وقطر كالخواجة، حيث قام الناس باندفاع غريب ومستهجن بإعادة نشر هذا التقرير وكلام الإرهابي الخواجة مئات المرات دون التفقه فيه والقراءة ما بين سطوره.

الأدهى أن بعض رؤساء الجمعيات السياسية وممن لهم باع طويل في مجال السياسة أيضاً، قاموا بإعادة النشر دون الوقوف والتدقيق على بعض المصطلحات والكلمات، فمصطلح التجنيس السياسي لا التجنيس بشكل عام مصطلح يستخدمه عملاء إيران وقطر في الادعاء أن الغالبية العظمى من شعب البحرين من الصفويين والطائفة الشيعية، لإلغاء المكونات الأخرى من الشعب البحريني ولأغراض حقوقية وإعلامية تخاطب دكاكين حقوق الإنسان والمنظمات المشبوهة!! كذلك مصطلح المعارضة الوطنية ومحاولة إلصاق هذا المصطلح بهؤلاء المرتزقة، حيث الخواجة وغيرهم يصنفون على أنهم عملاء لإيران وخلايا إرهابية، ومن غير الطبيعي والمنطقي بعد أن أكد شرفاء البحرين أنهم ليسوا معارضين بل إنهم إرهابيون، يقومون بفعل غريب ومتناقض في التأكيد والاعتراف لا شعورياً ودون إحساس أنهم معارضة وطنية، بل الطامة الكبرى التي وجدتها لدى البعض الانفصام بالشخصية، ففي الصحف المحلية البعض خرج بتصريحات تدعم بيان وزارة الداخلية البحرينية وتؤكد أهمية توخي الحذر والحرص والتمسك بالمسؤولية الوطنية في تحري أي شائعات ترد إليه، فيما عندما نشرت هذه الشائعة كان هو أول المتلقفين لإعادة نشرها!!

لا أعلم لم الناس لم تعد تخاف من أن ما تفعله يدخل في كبائر الأعمال، فالفتنة نائمة ولعن الله من أيقظها، والفتنة أشد من القتل، أي من يقوم بهذا حكمه أشد من القاتل وهو ملعون!

زميلي إبراهيم النهام قال كلمة جميلة خلال الندوة التي نظمتها جمعية التجمع الوطني الدستوري "جود" بالتعاون مع مجلس عبدالعزيز بوزبون حول آخر مستجدات قانون التقاعد بمشاركة عدد من النواب والبلديين ورؤساء الجمعيات السياسية وأصحاب المجالس والناشطين الاجتماعيين، حيث قال: بت أميل للعزلة وأتحاشى الخروج مع بعض الأصدقاء خوفاً من الاستماع إلى فضفضتهم ومآسيهم وزيادة حالة السوداوية المتكاثرة بيننها كمواطنين!

تأملت كثيراً عبارته، حيث أجدني أحياناً عاجزة عن الرد على شكاوى بعض المواطنين وقصصهم التي تدمي القلب وتتعب الروح، البعض عندما تتكلم أمامه وتنصحه يكابر ولا يتقي الله فيما يفعله وكأنه نسي خالق هذا الكون وأحكامه وعقابه، بل تجده يقول لك "يه أنت قديم وايد!! أنت اللي مثلك مو مال هالزمن! الزمن ذي ما يبيله ناس جذي! انقرضوا اللي يتكلمون جذي، أنت في أي زمن عايش"، فلا يرتدع ولا يخاف ولا يتحرك ضميره ولو لدقيقة، ولا يتفكر أن ما أمر به الإسلام والخوف من الله والدفاع عن الوطن والولاء لولي الأمر وإلى القيادة وتجنب كبائر الأعمال، ليست مخصصة لزمن دون غيره، وكأنه اعتراف مبطن منه أننا اليوم نعيش في زمن نحن فيه مسلمون بالاسم!!!

لعلني أجد المواساة أحياناً بالمزاح والقول: "الهيئة الوطنية لعلوم الفضاء أعلنت مؤخراً عن طرح برنامجها الأول لتأسيس فريق البحرين للفضاء، اللي يفكر مثلنا ويتأثر ويتقي الله ولا يواكب موجة الناس في ظلمهم وفسادهم وإساءتهم للآخرين، ما له إلا يفكر يروح إلى كوكب آخر!".