من الأشياء التي باتت تعكر مزاجي، هو مطالعة الأخبار قبل النوم مباشر، وللأسف وعلى الرغم من أنني أعرف جيداً أن هذه العادة تنعكس علي بالسلب، إلا أنني مازلت أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي والأخبارية من أجل ما يسميه البعض "إدمان الحصول على المعلومة".

وفي أحد الليالي كان خبر خلو المستشفيات في مملكة من البحرين من الأدوية، متصدراً للمشهد الإخباري في جميع وسائل التواصل الاجتماعي، فبين تأكيدات المرضى بأن المستشفيات تخلو من "الكثير" من الأدوية الهامة، وتصريحات من مسؤولين في وزارة الصحة يمكن وصفها بأنها تصريحات "هلامية" تقول بأن "النقص نسبي" في عدد من الأدوية.

نمت تلك الليلة والأفكار تسيطر على مخيلتي، حتى تسللت إلى أعماق أحلامي، فحلمت بأنني عُينت كمسؤولة عن القطاع الصحي، وهناك بعض الأحلام تظهر بجودة ممتازة حتى تشعر بأنه كان يشبه الحقيقة إلى درجة كبيرة.

ظهر في الحلم بأنني طلبت استدعاء جميع المسؤولين عن القطاع الصحي في المملكة للوقوف على حقيقة "نقص الأدوية" أو "عدم توافرها"، وظهرت في الحلم قاعة الاجتماع ممتلئة بعدد من المسؤولين الأوائل عن القطاع الصحي، وكان الهدوء والابتسام هي الصفة المرسوم على وجوه الجميع ما عدا "أنا" فقد كنت في غاية التوتر، وكانت باقات الزهور وعلب الحلوى المنوعة تملأ المكان المهنئة لي بالمنصب الجديد، وما أن وطأت قدماي المكان حتى قدم لي الجميع التهاني والتبريكات على هذا المنصب، مؤكدين لي "استحقاقي" للمنصب بجدارة على الرغم من أنني لم أقم بشيء حتى هذه اللحظة.

وبنظرة يملؤها الخوف والتوتر بدأت الاجتماع وطرحت السؤال المنطقي في مثل هذه الأوضاع وهو "ما هي حقيقة نقص الأدوية " فرد علي أحد المسؤولين " صلي على النبي ولا داعي للقلق، فالوضع مبالغ فيه، الأمور تمام، وكل ما هنالك أنه يوجد "نقص" في نوع أو نوعين من الدواء وكل ما يثار عبر وسائل الإعلام عبارة عن إشاعات مغرضة، ليكمل مسؤول آخر كلامه قائلاً" بالفعل، هذه طبيعة المواطنين البحرينيين "يسوون من الحبة قبة"، نقص بسيط عادي ويحدث في العديد من الدول وراح يسرد لي قصص نقص الأدوية في بعض الدول مؤكداً لي بأنها ظاهرة دولية!!

حاولت أن أستمع للجميع، ولكني لم أكن أستطيع التركيز، فالموضوع كبير، والدواء ليس كغيره من السلع التي يمكن "التفاوض" بشأنها، أنها مسألة حياة أو موت.

طلبت من المسؤولين أرقاماً، وإحصائيات، طلبت منهم شيئاً يفيد حقيقة "تفاقم" الوضع!! فكيف وصل الوضع إلى ما نحن عليه الآن!! لا شك بأن النقص كان واضحاً للمسؤولين منذ فترة، فما هي التدابير التي تم اتخاذها؟؟ طلبت منهم تزويدي بملف إدارة الأزمات الطبية فيما يخص نقص أو شح الأدوية الطبية؟؟ ولكن الإجابات كانت "هلامية". وبدأت أصواتهم ترتفع مرة أخرى، وكل مسؤول يحاول أن يبرئ نفسه من التقصير، وبدأ الجميع يرمي الكرة في ملعب هلامي يملأه الضباب، البعض أوعز سبب النقص لأسباب إدارية ومالية داخلية، والبعض حمل "الدولة" المسؤولية، والبعض رمى المسؤولية على المسؤولين السابقين. وبدأت الأصوات تعلو وتعلو وتعلو حتى أصبح من الصعب علي أن أسمع شيئاً.

وقفت، وطلب من الجميع التزام الصمت، مؤكدة لهم بأن الملف الطبي هو "ملف إنساني" وليس إدارياً فقط، فلو تذوق أي فرد من الحضور مرارة ألم المرض لعرف أهمية توفر العلاج، ولو فكر أحدهم في حجم مرارة الألم المصاحبة للعوز المادي الذي قد يمنع بعض المرضى من الحصول على الدواء لما تعاطى مع الموضوع بهذا البرود.

"الصحة" هذه النعمة التي نسأل الله أن يمنحنا إياها، هذا التاج الذي لا يراه إلا المرضى، هذا الملف الحيوي الذي يجب أن يمثل أولوية لدى أي دولة تتحدث عن التنمية، في رأيي المتواضع أعتقد بأنه إذا تم توجيه سؤال للعاملين في القطاع الصحي وقيل لهم ما هي وظيفتكم فإن الإجابة المثلى هي "إنني أساهم في تنمية أفراد المجتمع عن طريق توفير الثقافة والرعاية الصحية له".

وبدأت أحدثهم بقلب "الإنسان" لا الاداري، فبعض الملفات تحتاج إلى " العاطفة المتوازنة" ماذا لو كان أحدكم يعاني من مرض، ولا يتوفر له الدواء، ولا يستطيع لأسباب مادية توفيره؟؟ كيف سوف ستكون ردة فعله؟؟!!

لم أستطع أن أصمد أكثر، وكان هذا هو الاجتماع الأول والأخير لي في هذا المنصب، حيث إن الحلم لم ينتهِ إلا وأن أتقدم برسالة رسمية لإعفائي من المنصب.

صحوت من النوم وأنا أفكر!! هل يجرؤ بعض المسؤولين على طلب الإعفاء من المنصب؟؟ أم أن هذا يحدث في الأحلام فقط.