يعتقد البعض أن من البديهي أن الديمقراطية تصلح لأي بلد ولكل ظرف وأنها أقصر سبيل لتحقيق التنمية والرفاه والسلام. ولكن مراجعة لتفاصيل التطبيق ومقارنة النتائج المختلفة، فالبعض لا يشك بأن الديمقراطية والحكم الرشيد جيدة لتثمر الرفاه والأمن المجتمعي والسلام ربما انطلاقاً من قناعات ليبرالية مسبقة تقتضي أن التنافس الانتخابي سيجلب مسؤولين قابلين للمحاسبة من قبل الجماهير، ولكن هذا الطرح المثالي يقابله رؤية واقعية تقول بأن بناء الدولة مقدم على الإجراءات الديمقراطية كخطوة ضرورية لحماية المواطنين من المخاطر الداخلية والخارجية ولتأمين الحاجات والخدمات الضرورية للسكان وهنالك عدة أبحاث تؤيد كلا الطرحين المثالي والواقعي ببناء الدولة، ومن أبرز ما تميزت به الحضارة الإسلامية والتي تمثل تفاعل جميع القيم والتعاليم الإسلامية مع المجتمع البشري هي تلك النظم التي قامت عليها تلك الحضارة الإسلامية والتي شملت أمور الحكم والإدارة، والسلام، والحب، والاجتماع، والاقتصاد، وكل ما يتصل بتنظيم أمور الدولة التي هي المحتوى العلمي لقيم الحضارة.

وتهتمّ أغلب العلوم التي عرفها الإنسان منذ قديم الزمن حتّى الوقت الحالي بالوصول إلى حلول أو تفسيرات توضح قضايا أو تُعالج مُشكلات مُحدّدة، فلا شك في أن الأفكار الاقتصادية قديمة قدم الإنسان نفسه، ومنذ صدور الأمر الإلهي إلى سيدنا آدم بالهبوط من الجنة إلى الأرض، وذلك بهدف إعمار الكون والسعي في طلب الرزق، وهذا يعني ببساطة: «العمل والإنتاج»، وهما أساس الاقتصاد واعتباراً من هذا التاريخ والإنسان في صراع مع الطبيعة يحاول إخضاعها لسيطرته، وتسخيرها لخدمته، وذلك بأن يستخرج منها كل ما يكفي احتياجاته ويشبع رغباته، وقد ترتب على ذلك أن واجهته العديد من المشكلات الاقتصادية، وفي سعيه المستمر للتغلب عليها وتطوير قواه الإنتاجية والعملية الاقتصادية بأكملها، نشأت العديد من الأفكار الاقتصادية والتي تعد نتاج الممارسة العملية فمنذ انتشار الإنتاج في حياة الإنسان ظهرت العديد من الأنظمة الاقتصاديّة، وطُبقت هذه الأنظمة بناءً على طبيعة الحياة الاجتماعيّة السائدة في كلّ مجتمع بشري، ممّا أدّى إلى تطور تاريخ الاقتصاد في حياة الشعوب، واهتمّ الاقتصاد بصفته علماً من العلوم بالبحث عن العلاقات التي تجمع بين البشر ورغباتهم وحاجاتهم والطُرق والموارد والوسائل التي توفرها لهم.

ومن هنا ظهرت أهمية الاقتصاد وموضوعه الرئيسيّ الذي حرص على دراسة هذه العلاقات التي تحوّلت إلى مُشكلةٍ اقتصاديّة مع مرور الوقت بسبب عدم نهاية حاجات الإنسان مع قلّة أو نُدرة الوسائل أو الموارد الخاصة بها، فالاقتصاد هو دراسة الموارد النادرة ودورها في تحقيق الحاجات كما يُعرَّف الاقتصاد بأنّه البحث عن الكيفية أو الطريقة المناسبة للاستفادة من الموارد واستغلالها وفقاً للنمط الذي يُناسب المجتمعات وحاجاتها فيحرص الاقتصاد على إيجاد أفضل البدائل المُناسبة لمعالجة الموارد القليلة ويسعى إلى تفسير الظواهر الاقتصاديّة وتوقع الأحداث المُؤثرة في مستقبل الاقتصاد.

وتُعدّ التنمية الاقتصاديّة من أهمّ العوامل والعناصر المُؤثرة في الاقتصاد، فتشمل جميع الوسائل التي تُساهم في تغيير البناء الاقتصاديّ ممّا يؤدي إلى نقل الحالة الاقتصاديّة القوميّة في دولة معينة من انخفاض في كفاءة الإنتاج إلى تطور في المستويات الإنتاجيّة فمن خلال حالة توازن العلاقات بين قطاعات الإنتاج منذ انتشار الإنتاج في حياة الإنسان ظهرت العديد من الأنظمة الاقتصاديّة وطُبقت هذه الأنظمة بناءً على طبيعة الحياة الاجتماعيّة السائدة في كلّ مجتمع بشري ممّا أدّى إلى تطور تاريخ الاقتصاد في حياة الشعوب، وكان النظام المشاعي البدائي هو أول الأنظمة الاقتصاديّة ظهوراً في تاريخ البشر، حيث اعتمد الإنسان على الأدوات البدائيّة في الإنتاج وكانت الأعمال والخبرات المهنيّة محدودة فاعتمد النّاس على العمل ضمن مجموعات للتأقلم مع الطبيعة وعاشوا معاً ضمن قبائل معتمدة على التقاليد، وكان الإنتاج يوزع بشكلٍ مُتساوٍ على الأفراد لينتج بعده نظام العبوديّة ويُعرَّف أيضاً باسم نظام الرِّق، واعتمد على استغلال الأفراد لبعضهم بعضاً، وظهور الاختلافات الطبقيّة فأصبح العمل مُقتصراً على الأفراد من الرّقيق ممّا أدّى إلى ظهور مصطلح الرّقيق والأسياد وجاء النظام الإقطاعي وهو النظام الذي حلّ بدلاً من نظام العبوديّة ويعتمد على وجود الأملاك وأدوات الإنتاج التي تُمثّلُ الأراضي في يد الأفراد من الإقطاعيين الذين يستغلون الأفراد من الفلاحين ويشمل النظام الإقطاعي انتشار الأملاك الإقطاعيّة في أراضي القُرى والمُدن ممّا يُعزّز استغلال الإقطاعيين للسُكّان الذين يعيشون على هذه الأراضي إلى أن وصل النظام الرأسمالي، النظام الاقتصادي الحديث مُقارنةً مع النظامين السابقين ويهتمّ بتحقيق الأرباح وتعزيز التبادل التّجاري وتمتلك وسائل وأدوات الإنتاج مجموعة معينة من الأفراد يُطلق عليهم اسم الرأسماليين، أمّا الأفراد الذين يشكّلون الشريحة الكبيرة من المجتمع فهم القوى العاملة التي تعمل في الوسائل الإنتاجيّة الخاصة بالرأسماليين وجاء في المقابل النظام الاشتراكي وهو النظام الاقتصادي الذي يعتمد على مُلكية المجتمع لجميع الوسائل والأدوات الإنتاجيّة، أي تعزيز وجود المُلكية الجماعية ويسعى هذا النظام الاقتصادي إلى توفير جميع الحاجات الخاصة بالأفراد، ولكنه يؤدي إلى تباين ملحوظ بين الثروة ومُعدّل الدّخل الفردي نتيجةً للتباين في نوعية وحجم العمل ثم انشغل بعض فئات المجتمع بالفكر بصفة عامة في مختلف أنواعه، وفي إطار ذلك كانت لهم بعض الأفكار الاقتصادية المحدودة بسبب محدودية العملية الاقتصادية، فالحاجات محدودة جداً وتنحصر في المأكل والمأوى والملبس وأدوات الإنتاج بسيطة جداً وتعتمد على القوة الجسدية للإنسان بجانب بعض الأدوات المحدودة جداً فالعمل هو السبيل الطبيعي لكسب المعاش، وهو الدعامة التي يقوم عليها المجتمع الإنساني، فهذا رجل من أفراد المجتمع يزرع، وذاك يصنع، وآخر يتجر، وغيره يعالج المرضى، أو يسهر على حفظ الأمن، أو يدافع عن الوطن إلى غير ذلك من الأعمال التي يقتضيها نظام الجماعة البشرية.

* محلل في الشؤون الاقتصادية والعلوم السياسية