منذ تأسيسها في عام 1995، تعنى منظمة التجارة العالمية -ومقرها مدينة جنيف- بالقوانين الدولية المتعلقة بالتجارة ما بين الدول، وتعد المنظمة العالمية الوحيدة المختصة في المجال، إذ تضم 164 دولة عضو إضافةً إلى 20 دولة مراقبة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية.

قبل بضعة أشهر، وفي أروقة منظمة التجارة العالمية، جرى سيل من شكاوى دول متعددة ضد الولايات المتحدة الأمريكية بعدما وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العاشر من أغسطس قراراً بفرض رسوم على واردات الصلب والألمنيوم «غير قانونية»، الأمر المتعارض مع الالتزامات التجارية الدولية للولايات المتحدة وقواعد منظمة التجارة العالمية، وتذرع دونالد ترامب في قراره بحماية الأمن القومي الأمريكي والإنتاج المحلي من السلعتين -وقد كتبنا عن ذلك مقال «البحرين أمام «رسوم ترامب الألومنيومية»» المنشور في 14 يونيو من العام الجاري- ولا شك في أنه سيتمخض عن ذلك القرار تأثير كبير على التجارة العالمية.

من وجهة نظر ترامبية، فإن مثل هذه الإجراءات ضرورية لحماية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، فهو يرى أن ذلك الأمن قد تدهور جرّاء انخفاض صناعات الصلب والألمنيوم المحلية. وهو أمر لا يتفق عليه أحد من الدول الشاكية مثل سويسرا وروسيا والنرويج وكندا، والمكسيك والاتحاد الأوروبي -الذي يضم 28 دولة- والهند والصين في 10 أبريل 2018، لتعقبها شكوى الحكومة التركية رغم بلوغ التوتر في العلاقات بين البلدين ذروته.

تقوم جميع هذه الدعاوى على أن الرسوم الجمركية التي أقرتها واشنطن جاءت مخالفة لالتزاماتها التجارية بموجب الاتفاقيات المنظمة للتجارة العالمية، فضلاً عن أنها تمت بدون مشاورات لحل مشكلة الرسوم الجمركية الإضافية على منتجات الصلب والألمنيوم، ودون أن تتحرك واشنطن بشكل مشترك مع الدول الأخرى، الأمر الذي اعتبرته الدول الشاكية تجاوزاً لحقوق المصدّرين وتهديداً للتعاون الاقتصادي الدولي، ذلك الاقتصاد الذي لطالما عملت الولايات المتحدة الأمريكية على نمائه وضمان انسياب التجارة بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية.. لكنه ما عملت عليه أمريكا قبل مجيء ترامب..!!

* اختلاج النبض:

في الأصل.. لم تنشأ منظمة التجارة العالمية لتكون «مركز شرطة» تحال إليه الشكاوى، بل لإقامة عالم اقتصادي يسوده الرخاء والسلام، وليضمن للمنتجين وللمصدرين أن الأسواق الخارجية ستظل مفتوحة دائماً لهم. لكن قضية الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم، وقضايا أخرى افتعلها ترامب ومازال ماضياً فيها، يبدو أنها ذريعة للعمل على ترتيب التجارة العالمية وفق المنظور المصلحي للولايات المتحدة الأمريكية، والذي قد يكون جزءاً منه انسحاب واشنطن من المنظمة، لتغدو الأخيرة على المحك..!!