بعيداً عن مدى مصداقية جوائز نوبل «للسلام». وبعيداً عن مرور العابرين إليها بالكنيست الإسرائيلي. وبعيداً عن الأدوار الدولية المطلوبة منهم نظير هذا الفوز. فإن حصول الناجية الإيزيدية نادية مراد على الجائزة يستحق قليلاً من تسليط الضوء على ما حصل في الوطن العربي من عودة الوحوش البشرية بين شعوبها، وبعثهم ممارسات القرون الوسطى وما قبل الوسطى في المناطق التي سيطروا عليها. وانتهاء كل تلك الوقائع «سلاما سلاما» وكأنها مشاهد تمثيلية تم تصويرها وانتهت!

الذين تابعوا تفاصيل قصة نجاة نادية مراد وغيرها من الإيزيديات، وجدوا في نادية فاصلاً بين الخيال والحقيقة. فكل ما كان يقال عن ممارسة الدواعش لاسترقاق النساء وبيعهن والتعامل معهن بصفتهن جواريَ للمتعة والخدمة، كان لمرحلة من مراحل صعود المد الداعشي في سوريا والعراق ضرباً من الإشاعات والمبالغات التي يحتاج تصديقها إلى دليل. فكانت نادية وباقي الإيزيديات اللاتي امتلكن الشجاعة للإعلان عن أنفسهن ومعاناتهن دليلاً دامغاً على أن البشرية في عالمنا العربي مازالت تحتفظ بجرثومة الوحشية التي لا تحتاج إلا لمناخ خاص وظروف معينة كي تتخلق من جديد وتكبر وتهيمن بأوبئتها.

كان من المؤسف، بل ومن المخيف، وهو ما عبرت عنه نادية: أن تستعبد نساء عراقيات في ظروف إهمال الدولة العراقية لمثل هذه الكارثة الحضارية، وبتواطؤ بعض العشائر العراقية، ومع صمت من المؤسسات الثقافية والدينية التي لم تفند هذا المسلك الإرهابي والمتخلف.

ثمة سؤال قديم جديد كان يوجه للباحثين في الشؤون الإسلامية، وهو لِمَ لَمْ يحرم الإسلام الرّق؟ وكانت الإجابة موضوعية ووافية، وهي أن الإسلام كان يتعامل مع الواقع ومعطياته بما يناسب البيئة ولا يتعارض مع الأعراف الاجتماعية والسياسية. والرّق كان عرفاً عالمياً في حينها وكان نوعاً من الاقتصاد العالمي. هذا قديماً.. أما وقد خرجت علينا جماعات تريد استعادة أعراف القرون الغابرة باعتبار أن الإسلام حين بزغ في البيئة البدوية قد أقرها ولم يتعارض معها، فإن ذلك يحتاج إلى وقفة ثقافية واجتماعية وفقهية تحمي المجتمعات الإسلامية من كل من يعيد تدوير النصوص الدينية وفق هواه، ووفق مصالحه، والأجندات الغربية التي تحركه، وهو الأمر الذي لم يحدث!!

وفي هذا السياق علينا أن نتذكر أيضاً أن التشريعات القانونية الداعمة للمرأة، خصوصاً في قوانين الأحوال الشخصية، لم تتطور هي الأخرى بما يكفي لتعزز وضع المرأة وحمايتها من أحلام عشاق القرون الوسطى وهلوساتهم. وأن المرأة، العربية تحديداً، برغم كل المنجز الحضاري والتقدمي الذي قدمته لمجتمعها، وبرغم كل النماذج النسائية في العالم الغربي، لم تتمكن بعد من التحرر من نظرة «العورة» و«العار» التي تكبلت بهما منذ عصر البداوة.

خروج نادية مراد إلى العالمية وافتضاح قضية الرق والعبودية التي سكنت العراق وسوريا لسنوات.. «العراق وسوريا مهد الحضارات الأولى في العالم، حيث كانت المرأة آلهة تعبد، وملكة تحكم. وأول منارات الحداثة والتقدم في الوطن العربي»، خروج ناديا.. هو أمر جيد. وهو في الوقت نفسه، أمر محرج لمجتمعات استساغت العبودية وابتلعت الرّق وتجرعت الفضيحة الحضارية ببرود دم غير منطقي.

تحية لنادية مراد، ولكل الإيزيديات، وغيرهن من الناجيات من «داعش» اللاتي امتلكن الشجاعة لمواجهة «داعش» والفرار من عناصره. ثم امتلكن الشجاعة للإعلان عن معاناتهن وشرح تفاصيل الاغتصاب الجماعي الذي تعرضن له بصفتهن سبايا وجواري وإماء من القرن الحادي والعشرين.