يكثر النقاش عن ارتباط حرية الرأي والتعبير بالتنمية الاقتصاديه وعن أولوية كل منهما على الآخر ودورهما في بناء المجتمعات المتقدمة وإحداث الرخاء الاقتصادي.

وتطرح هذه القضية التقاء الجانب السياسي ونظيره الاقتصادي في تشييد الأمم والارتقاء بها حيث يؤثر كل جانب في الآخر بهدف صياغة سياسات عامة هادفة إلى خدمة المواطن فكانت الفكرة الرائجة لدى علماء الاقتصاد على مستوى العالم أن الحريات هي انعكاس وثمرة طبيعية من ثمار التخطيط التنموي السليم، فالحرية وبالأخص حرية الرأي هي إحدى وسائل التنمية الاقتصاديه وأدواتها وليس نتيجة من نتائجها وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار الحريات السياسية هادياً للتنمية الاقتصادية حيث إن الأخيرة تنبني على مرتكزات ديمقراطية عديدة تتجلى في إرساء نظام للتعددية السياسية ومشاركة المواطنين في اتخاذ القرار من خلال عقد اجتماعي مدني بين السلطة والشعب، كما أن التنافس بين القوى السياسية يبرز تحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيما يتعلق بالفقر والبطالة والنمو وذلك بالرجوع إلى آليات الانتخاب.

إلى جانب ذلك، تتيح الحريات المجال الواسع لتسيير عمل المجتمع المدني والذي بدوره يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والحرية الاقتصادية تحظى بأهمية بالغة في الارتقاء بالبعد المجالي من خلال تحفيز ريادة الأعمال واتخاذ زمام المبادرة والتنافسية حيث تساهم حرية الفكر والتعبير في اقتصاد المعرفة فالانفتاح والإبداع والابتكار دوائر مركزية في المجتمع التكنولوجي الأمر الذي يعزز الرأسمال المعرفي فعلى المستوى الفردي، تُعد حرية التعبير أمراً رئيسياً لحياة وكرامة وتنمية كل شخص فهي تتيح لكل شخص أن يفهم ما يحيط به والعالم الأوسع من خلال تبادل الأفكار والمعلومات بحرية مع الآخرين وبالتالي تجعله قادراً أكثر على التخطيط لحياته وأنشطته فضلاً عن أن قدرة الشخص على التعبير بما يدور في ذهنه من أفكار توفر له مساحة واسعة من الأمن الشخصي والاجتماعي وحيث إن حرية التعبير حق لكل إنسان كان لابد من تقرير ضوابط تراعي المصلحة وتحقق المقصود من إقراره ولقد تم وضع مجموعة من الضوابط الشرعية تمثلت في الالتزام بمشروعية القول والأخلاق والقيم والمبادئ وعدم الاعتداء على أعراض الآخرين وعدم الاعتداء على المصلحة العامة.

وعلى المستوى الاجتماعي والوطني، تضمن حرية الرأي والتعبير أن يتم النظر بدقة في أي سياسات وتشريعات جديدة تنوي الدولة تشريعها من خلال مشاركة المواطنين وأخذ أفكارهم وملاحظاتهم وتساعد حرية الرأي على احترام القانون وتنفيذه كونه يحظى مقدماً بدعم وتأييد الشعب كما تدعم حرية الرأي مفهوم الحكم الرشيد من خلال تمكين المواطنين من طرح مخاوفهم لدى السلطات وبالتالي تحسين جودة الحكومة من خلال توكل مهمة الإدارة إلى الأشخاص الأكثر كفاءة ونزاهة فحرية الرأي تسهم في كشف نقاط القوة والضعف لدى المؤيدين والمعارضين وهذا يمكّن الناخبين من اتخاذ قراراتهم الواعية حول من هو الشخص الأكثر تأهيلاً ليمثلهم ويتكلم عنهم ويصوتون بناءً على ذلك كما وتساهم حرية الرأي وحرية المعلومات على تنفيذ حقوق الإنسان الأخرى وتمكن الصحفيين والناشطين من لفت الانتباه إلى قضايا وانتهاكات حقوق الإنسان وإقناع الحكومة باتخاذ إجراءات حيالها إلى غير ذلك من فوائد لحرية الرأي حيث أصبحت حرية الرأي والتعبير واحدة من أهم حقوق الإنسان وهي أساس النظام الديمقراطي لأي دولة من دول العالم وهذا واضح من خلال النص عليها في ميثاق الأمم المتحدة إذ اقترنت حرية الرأي والتعبير بمقاصد الأمم المتحدة ومنها حفظ الأمن والسلم الدوليين وهذا يدل على عالمية هذه الحرية وأهميتها وإن كانت هذه الحرية مقيدة ببعض الضوابط والإجراءات لغرض تنظيم استخدامها والمحافظة على القوانين الوطنية والأخلاق العامة والصحة العامة والنظام العام وحقوق الغير وغيرها، فاحترام حرية الرأي هو مصلحة عليا لكل فرد وجماعة وشعب والإنسانية جمعاء، باعتبار أن تمتع كل فرد بالكرامة والحرية والمساواة هو عامل حاسم في ازدهار الشخصية الإنسانية وفي النهوض بالأوطان وتنمية ثرواتها المادية والبشرية وفي تعزيز الشعور بالمواطنة كاملة غير منقوصة فلا يكفي ترديد مبادئ حرية الإنسان وانتظار من الناس أن تتبناها بل يجب ربط هذه المبادئ بالحياة اليومية والثقافات المحلية لتبيان أن تبنيها سيساعد في تحسين التواصل والتفاهم والتسامح والمساواة والاستقامة.

وختاماً، في ظل جيل جديد من الإشكاليات الاقتصادية تبدو الحاجة بليغة إلى اجتهاد علمي وفكري للغوص في أعماق الاقتصاد السياسي الذي تتسق فيه الحرية بالمساواة والتضامن وتصبح التنمية رهينة الفعالية الاقتصادية والمساواة الاجتماعية وتكافؤ الفرص داخله بما يضمن حق التعليم والعمل للجميع ويقطع التمييز بين الرجل والمرأة وكذلك المدينة والقرية ما يعزز ثقافة الاستحقاق بما يقوي التنافس ويحسن من الطاقات الاستثمارية للوطن ويجعل الاقتصاد منتجاً بدلاًمن ريعي ويفتح آفاق العيش المشترك واقتصاد السعادة بالمجتمعات.

* محلل في الشؤون الاقتصادية والعلوم السياسية