هذا الخريف من عام 2018، نسماته نِسوية مشرقية بامتياز. أو هكذا ترصده مجساتنا، نحن، في الوطن العربي. حيث تقلدت السيدة «سهلي ويرك زويدي» منصب رئيس الجمهورية في إثيوبيا. متزعمة أعلى منصة سياسية لحكومة شكلت نصفها من السيدات بما في ذلك تسليم وزارتي الدفاع والسلام ورئاسة المحكمة العليا للنساء!! كما أفرزت انتخابات الكونجرس الأمريكي فوز المهاجرتين العربيتين المسلمتين: إلهان عمر من أصول صومالية، ورشيدة طليب من أصول فلسطينية. والمفارقات «الجغرافية» للجندر النسائي التي تكشف عنها وصول امرأة لحكم دولة مثل إثيوبيا ووصول امرأتين عربيتين لكراسي الكونغرس الأمريكي، ليست إلا دلالات سياسية واجتماعية للتباين الذي يمكن أن تعيشه امرأة واحدة بين سياقين ثقافيين متخالفين.

لا بأس من أن نحسب إثيوبيا علينا، من جهة الثقافة الشرقية التي تميزنا نحن بها.

فالبيئة الثقافية والاجتماعية الإثيوبية هي امتداد جنوبي للعقلية الشرقية التي يهيمن عليها الفكر الذكوري والمجتمعي الأبوي. وتاريخ إثيوبيا المعاصر لا يختلف عن تاريخنا من عمليات الانقلاب السياسي والعسكري والحروب الأهلية والمجازر والإبادة العرقية. كما ارتبطت إثيوبيا في مخيالنا بالجفاف والمجاعة والنزوح الجماعي. وأخيرا.. تصدير خادمات المنازل!!. ووصول السيدة سهلي إلى سدة الحكم في إثيوبيا، وترؤسها حكومة نصفها من النساء يثير انتباهنا إلى أن ثمة تغييراً كبيراً قد حصل في جارتنا الإفريقية! هو تغيير مس قاع البنية المجتمعية وحرك القاعدة فتغيرت الصورة الممثلة للدولة!

والكلمة العصماء التي ألقتها السيدة سهلي في البرلمان عند تنصيبها رئيسة للبلاد دالة ومفعمة بتلك المعاني، حيث بينت أن «التغيرات التي أنجزت حالياً في إثيوبيا يقوم بها رجال ونساء معاً. واندفاعهم سيؤدي إلى ولادة إثيوبيا حرة من كل تمييز ديني أو إثني أو على أساس الجنس». وعلينا أن نعي أن التغيير الذي فوجئنا، نحن، به لم يكن طارئاً في إثيوبيا. فالمناصب التي تقلدتها السيدة سهلي سابقاً من سفيرة لبلادها في عدة دول وممثلة للأمين العام للأم المتحدة في إفريقيا قد حازت عليها دون اعتبارات إثنية أو عرقية أو طبقية أو حزبية. وهو ما لا يتأتى لحد الآن للنساء في كثير من الدول العربية التي يتم توزيع المناصب فيها محاصصة واستناداً لمعايير لا علاقة لها بالأداء والكفاءة. إننا في الوطن العربي ننام ونستفيق على همومنا وصراعاتنا وأفكارنا الضيقة، ثم نكتشف أن جيراننا السابقين في الصراعات قد تغيرت أحوالهم ذات فجأة من انشغالنا بأنفسنا!!!

ومن تابع ردة فعل كثير من آراء الجمهور العربي، التي لا مجال لالتقاطها إلا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حول فوز المهاجرتين العربيتين المسلمتين في انتخابات الكونجرس. فسيجد أنها في الغالب عبرت عن حالة انبهار مصحوبة بإحباط شديد. فكثيرون تساءلوا: ماذا لو.. بقيت السيدتان في بلديهما الأصليين الصومال وفلسطين؟ بالتأكيد كانتا ستكابدان مشاق الحصول على لقمة العيش. وسيغدو العمل السياسي من الترف غير الحكيم في الصراع اليومي على الصمود حياً. وقد تكون ممارسة السياسة مخاطرة كبيرة لأنها مبنية على المحاصصة والحزبية وتداول الصراع الدامي. وماذا لو.. أن السيدتين هاجرتا لدولة عربية مجاورة؟ بالتأكيد سيكون السعي للرزق قاسياً وسط ثقافة الكراهية التي طغت على الوجدان العربي. وستبدأ المعاناة من الحصول على «فيزا» دخول بلد العمل وتجديد الإقامة ودفع الضرائب، والتفكير الدائم بوطن بديل لإقامة أفضل. ولا مجال لممارسة العمل السياسي، لأنه محرم على الوافدين.

في الواقع، يصعب علينا نحن العرب المتلبسين بأزمات الهوية والتاريخ والجغرافيا أن نتفهم كيف تستضيف أمريكا الرجال والنساء مهاجرين، ثم تمنحهم فرصة الوصول إلى الكونجرس، وتمنح أبناء المهاجرين حق رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية!!

حين نكثر من الحديث والكتابة عن حال المرأة ومشكلاتها فليس ذلك من باب المبالغات. وليس ذلك تمييزاً إيجابياً للمرأة في مقابل الرجل. ولكن لأن البشرية مارست التهميش والاستقواء ضد المرأة لقرون طويلة من الزمن. وارتبط الموقف السلبي من المرأة بسرديات مقدسة ومعتقدات أسطورية وقوانين اجتماعية موضوعة من الرجل لغايات اقتصادية وسياسية تتجاوز في قيمتها الموقف من المرأة عند الرجل. لذلك فإن وضع المرأة في المجتمع يعكس طبيعة الأفكار المهيمنة على كافة مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.

وحين نقارن تحرك موقع المرأة وواقعها في أي مجتمع، وخصوصاً إن كانت امرأة عربية مقيمة خارج الجغرافيا العربية، علينا أن نتذكر.. أن هذه المنطقة التي شهدت معارك فكرية بثتها شاشات الفضائيات، حول الفرق بين الحجاب والنقاب، وشرعية نمص المرأة لحواجبها، وحكم طلاء الأظافر، وغيرها من تفاصيل المرأة الصغيرة، علينا أن نتذكر أن هذه المنطقة ذاتها قد احتل بعض بقاعها الدواعش الذين أعادوا بعث سبي النساء وبيعهن جواريَ. ولم نشهد معركة فكرية حول مفهوم الجواري بين التاريخ والإسلام. ولا نقاشات فكرية حول تجريم العبودية!